قرآن

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

نسخة من كتاب القرآن الكريم
نسخة من كتاب القرآن الكريم

القرآن هو كتاب المسلمين المقدس وأهم مصادر التشريع الإسلامي. و يؤمن المسلمون بأنه كلام الله المنزل على رسوله محمد بالوحي عبر الملاك جبريل. ويسمى الكتاب الذي يكتب فيه القرآن مصحفاً. يعتبر المسلمون دراسة القرآن وتعلمه من أهم العلوم التي يجب عليهم تعلمها، إذ أنهم يواظبون على قراءة القرآن ودراسته و تطبيق معانيه منذ صغرهم وطوال حياتهم. ويَحترم المسلمون القرآن كثيرا، فهو عندهم معجزة الإسلام الخالدة. لذا، تُوجَد آداب لسماعه أو قراءته وتلاوته. ويدعو القرآن لمبادئ هامة يقوم عليها الإسلام وتسير عليها حياة المسلمين.


فهرست

[تحرير] مقدمة

جزء من سلسلة

الإسلام


تاريخ الإسلام
العقائد و العبادات

توحيد · الشهادتين
الصلاة · الصوم
الحج · الزكاة

قائمة الشخصيات الإسلامية

محمد بن عبد الله
· صحابة · أنبياء الإسلام
أهل البيت

نصوص و تشريعات

القرآن الكريم · حديث نبوي · الشريعة
فقه إسلامي

فرق إسلامية

السنة · الشيعة

مذاهب إسلامية

الحنفية · المالكية · الشافعية · الحنابلة

علم الكلام و الفلسفة

المعتزلة· الأشاعرة

حضارة الإسلام

الفن · العمارة
التقويم الإسلامي
العلوم · الفلسفة
أئمة السنة · أئمة الشيعة
الإسلام السياسي

مساجد

المسجد الحرام · المسجد النبوي
المسجد الأقصى

مدن إسلامية

مكة المكرمة · المدينة المنورة · القدس

انظر أيضا

مصطلحات إسلامية
قائمة مقالات الإسلام
الإسلام حسب البلد

ع·ن·ت


يؤمن المسلمون بأن القرآن كتاب الله أُنزِله إلى النبي محمد بن عبد الله. ولهذا، تعتبر تلاوة القرآن والاستماع له والعمل به كلها عبادات يتقرب بها المسلم إلى الله وتزكو بها روحه. ويعتقد كثير منهم أنه أساس حضارتهم وثقافتهم، وبه بدأت نهضتهم في كل مجالات الحياة، سياسيا واجتماعيا ولغويا.

أخرج الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: « ستكون فتن. قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا "إنا سمعنا قرآنا عجبا". هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم».

ولم تكن العرب تعرف لفظ المصحفِ بِمعنى الكتابِ الذي يجمع بين دفتيه صحفاً مكتوبة، إنما أطلق هذا الاسم على القرآن الكريم بعد أن جمعه أبو بكر الصديق فأصبح اسماً له.

والقرآن يناقش - ببلاغة نادرة - مواضيع متعددة تشمل حياة الإنسان في الدنيا والآخرة: فالدنيا والدين في الإسلام مرتبطان؛ والقرآن يؤسس عقيدة المسلم ويدعو الناس لعبادة الله وحده وطاعته والخضوع له والتفكر في خلقه. ويناقش حقوق الانسان وواجباته تجاه ربه ونفسه ومجتمعه ودينه والكون كله. وقد بين القرآن أن البشر كلهم سواسية لا فرق بينهم مهما اختلفت لغاتهم وطبقاتهم إلا بتقواهم لله، فهذا هو المقياس الذي يتفاضل به الناس عند الله. وحدد القرآن النظام الاجتماعي للمسلمين، وكذلك آداب المسلم وأخلاقه واستخلص المواعظ والعبر من تاريخ السابقين ؛ وحذر من عذاب النار يوم الدين، وغير ذلك من المواضيع والمحاور.

والقرآن نص مكتوب مقسم إلى 114 فصلا، وكل فصل منه يسمى سورة، وكل سورة مقسمة إلى عدد من الجمل أو الأقوال اللتي تسمى آيات. وتفتتح كل سور القرآن بـ "باسم اللـه الرحْمن الرحيم"، ما عدا سورة "التوبة".

[تحرير] فلسفة القرآن

يشرح القرآن ثلاث قضايا رئيسية بأسلوب حواري بليغ وبحجج دامغة بَيِّنٍة:

  • القضية الأولى : العقيدة
    • فيها يشرح القرآن أن اللـه هو خالق الكون وخالق كل شيء وأنه على كل شيء قدير وله الصفات الحسنى، إنه خالق الإنسان وهو الذي سيميته ثم يُحييه يوم القيامة ليحاسبه على أعماله. ولهذا يَجب على الإنسان:
    • أولا: الإيمان بالله الذي يستلزم طاعته ومَحبته وعبادته. وعدم الإشراك بالله وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
    • ثانيا: الإيمان بالملائكة وأنهم عباد لله الْمقربون، الذين لايعصون أمره ويفعلون ما يأمرهم به.
    • ثالثا: الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله ومنها القرآن.
    • رابعا: الإيمان بكل الأنبياء والرسل المبعوثين من الله للبشر والذين منهم إبراهيم أبو الأنبياء وإمام أهل التوحيد، ومنهم عيسى الذي هو عبد اللـه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريـم العذراء وجعله مبشرا بنبِي يأتي من بعده اسْمه أحْمد. وهذا هو مُحمد رسول اللـه صلى الله عليه و سلم الذي هو خاتَم الأنبياء وسيد المرسلين، والذي رسالته تنسخ الشرائع السابقة.
    • خامسا: الإيمان باليوم الآخر الذي يبعث الله فيه الناس ليحاسبهم على ما قدموا من خير أو شر، فيدخل المؤمنين الجنة والكفار النار.
    • سادسا الإيمان بالقدر خيره وشره.



  • القضية الثالثة : الأخلاق والفضيلة
    • كما وضع العديد من القواعد الكلية العامة منها:
    • فرض القرآن حدودا رادعة لمن تعدى حدود الله أو انتهك حرماته ولمن اعتدى على الناس ولم يردعه الشرع عن ارتكاب جرائمة؛ ليحفظ للمجتمع أمنه وللشرع هيبته، وللمظلوم حقه.
    • وبين أنه يمكن للمسلم أن يتوب من ذنوبه ويدعو ربه مباشرة دون واسطة لكي يغفر له ذنبه ويقبل توبته. (1)
    • يكون الثواب من الله والمغفرة للعباد بقدر عملهم الصالح وإخلاصهم فيه واتباعهم لمنهج الله وشرعه وبقدر التقصير يكون الذنب والعقوبة.
    • لا يتحمل فرد وزر فرد آخر ولو كان أقرب الناس له ولا يقبل من فرد رشوة أو فدية لينجو من عذاب الله يوم القيامة إذا وجبت له النار لضعف حسناته(2).
    • يساوي الإسلام بين أتباعه في الحقوق والواجبات تحت شعار "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود. ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب" (3)، فلا عنصرية بغيضة ولا طبقية مقيتة.

[تحرير] أسماء القرآن

ذكر العلماء والمفسرون أسماءً عديدة للقرآن الكريم استخرجوها من نص القرآن أو من الأحاديث الشريفة أشهرها: القرآن، الكتاب، الذكر والفرقان. ولفظ القرآن على صيغة فُعْلَان (كـ "غُفْرَان"، "خُسْرَان"، "حُسْبَان")اسم مشتق من فعل قَرَأَ بمعنى "جَمَعَ" و"تَلَا". فهو، إذا، كلام مَجموع فِي كتاب للتلاوة. وسُمي القرآن بـكتاب لأن آياته وسوره قد سطرت وجُمعت بين دفتين. وتسمية القرآن بهذين الأسمين يعد إشارة إلاهية لحفظ الله القرآن في الصدور مقروءا وفي السطور مكتوبا. وقد قال الشيخ عبد الله دراز "فلا ثقة بِحفظ حافظ حتَّى يوافق حفظه الرسم المجمع عليه، ولا ثقة بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو ثابت عند حفاظ الأسانيد". واسم الفرقان مشتق من فعل فَرَقَ بمعنى فَصَلَ وفَرَق بين الأمور، فهو إذًا يفرَّق ويفصل بين الحق والباطل.

ومن أسمائه أيضاً: الذكر، النور، الموعظة،وغيرها من الأسماء الواردة في آيات القرآن نفسها أو في الأحاديث.

وكذلك لكل سورة في القرآن اسم خاص بها، بل لبعض السور أكثر من اسم، مثلا السورة الأولى في المصحف لها أكثر من "20" اسماً منها: الفاتِحة، أم الكتاب، السبع الْمثاني، الكافية، الشافية، إلَخ.

راجع أيضا:

[تحرير] نزول القرآن وجمعه في مصحف واحد

يتفق علماء المسلمين على أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على فترات متقطعة، على امتداد أكثر من عشرين عاماً. ويعبرون عن هذا بقولهم "نزل القرآن مُنَجَّمًا"، أي "مُفرَّقا".

وقد ذكر هؤلاء العلماء لنزول القرآن بشكل متفرّق عدة حكم منها:

  1. تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، قال تعالى: "كذلك لنثبِّت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً" (سورة الفرقان:32) وفي قوله تعالى: "ورتلناه ترتيلاً" إشارة إلى أن تنزيله شيئاً فشيئاً ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه.
  2. الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول: "ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" (الفرقان:33)
  3. تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد صلى الله عليه و سلم وعلى أصحابه: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106
  4. التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.

أما المقدار الذي كان ينزل من القرآن على النبي محمد صلى الله عليه و سلم فيظهر من الأحاديث النبوية أنه كان ينزل على حسب الحاجة. أما بداية الوحي، فيعتقد المسلمون أنه بداية سورة العلق: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ". وذلك في غار حراء حيث كان النبي يتعبد ويختلي بنفسه.

وقد كان هذا في السابع عشر من رمضان، قال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية "كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وقيل من الرابع والعشرين". وقد اختلف بأي يوم بالتحديد بدأ نزول الوحي لكنه متفق على أنه في أواخر رمضان.

ومن عقيدة المسلم وإيمانه بالقرآن أن يؤمن أن الملك جبريل نزل بألفاظ القرآن كلها وأن القرآن كله هو كلام الله ولا دخل لجبريل ولا للرسول محمد فيها ولا في ترتيبها بل هي كما في الآية: "كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير" (هود:1)

نسخة أندلسية من القرآن تعود للقرن الثاني عشر الميلادي
نسخة أندلسية من القرآن تعود للقرن الثاني عشر الميلادي

[تحرير] أولاً: حفظ القرآن في عهد النبي محمدصلى الله عليه و سلم

إن من مميزات الأمة المسلمة أن كتابها قد حفظ عن ظهر قلب على خلاف بقية الأمم السابقة. وقد كان في ذلك سبباً من أسباب حفظ القرآن من التحريف والتغيير على مر العصور، حسب رأي كثير من المسلمين. وقد كان النبي محمد كثيراً ما يحث الصحابة على حفظ القرآن حتى أنه كان يتعاهد كل من يدخل الإسلام ويدفعه إلى أحد المسلمين يعلمه القرآن. يروى عن عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن " رواه أحمد . ولقد حفظ عدد كبير من الصحابة القرآن منهم: الخلفاء الراشدين، طلحة، سعد، ابن مسعود وغيرهم من الصحابة.

ثم إن النبي لم يكتفي بحفظ الصحابة للقرآن عن ظهر قلب، بل أمرهم أن يكتبوه ويدونوه لحمايته من الضياع والتغيير. وبذلك تحقق حفظ القرآن في الصدور وفي السطور. وقد ورد في الحديث أن النبي محمداً أمر في البداية ألا يكتب الصحابة شيئاً إلا القرآن حتى لا يختلط بغيره من الكلام: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" (رواه مسلم). قال النووي تعليقاً على هذا الحديث: "وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في كتابته".

وكان صحابة النبي محمد يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة. وبقي القرآن مكتوباً على هذه الأشياء محفوظاً عند النبي محمد وأصحابه، ولم يجمع في مصحف في عهده.

أما عن حكمة عدم جمعه في عهد النبي طبقا للشريعة الإسلامية، فقد قال العلماء في ذلك:

  1. أنه لم يوجد داع من جمعه في مصحف واحد كما على عهد الخلافة بعد وفاة النبي.
  2. أن القرآن نزل مفرقاً على فترات مختلفة، ولم ينزل بترتيب المصحف، ثم إن بعض الآيات نزلت ناسخة لما قبلها. ولو جمع القرآن على عهد النبي في مصحف واحد لكان وجب تغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.

[تحرير] ثانياً: جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق

أما جمع القرآن في مصحف واحد فقد تمت للمرة الأولى في عهد أبى بكر الصديق بعد أن توفي النبي محمد. فبعد غزوة اليمامة التي قتل فيها الكثير من الصحابة وكان معظمهم من حفاظ القرآن، جاء عمر بن الخطاب إلى أبي بكر الصديق وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع بعد وفاة الحفاظ.

فقام أبو بكر بتكليف زيد بن ثابت لما رأى في زيد من الصفات تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كتابه على عهد النبي محمد صلى الله عليه و سلم وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. ثم إن زيد قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه.

روى البخاري في صحيحه عن زيد أنه قال: أرسل إليَّ أبى بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه البخاري.

واتفق العلماء أن الصحابة كان لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر لها، إلا أن هذه المصاحف كانت جهوداً فردية لم تنال ما ناله مصحف الصدٌيق من دقة البحث والتحري وبلوغه حد التواتر والإجماع من الصحابة.

ثم بدأ زيد بجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وأعانه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة. واتبع الصحابة طريقة دقيقة وضعها أبو بكر وعمر لحفظ القرآن من الخطأ، فلم يكتف الصحابة بما حفظوه في قلوبهم ولا بما كتبت أيديهم ولا بما سمعوا بآذانهم بل جعلوا يتتبعون القرآن واعتمدوا في جمعه على مصدرين اثنين أحدهما ما كتب بين يدي رسول الله محمد والثاني ما كان محفوظا في صدور الرجال. وبلغت مبالغتهم في الحيطة والحذر أنهم لم يقبلوا شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله محمد.

فعن عروة بن الزبير قال: لما استحرَّ القتل بالقراء يومئذ، فرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع - أي خاف عليه - فقال لعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. وبذلك اخذ مصحف ابو بكر الصفحة الجماعية واتفق الصحابة كلهم عليه ونال قبولهم فكان جمعهم له على اكمل وجه واتمه.

[تحرير] ثالثاً: توحيد المصحف في عهد عثمان

وبقي القرآن على ما هو عليه في عهد أبي بكر إلى عهد عثمان. إلا أن القرآن كان قد نزل على النبي محمد بسبعة أحرف(أي بسبعة لهجات) ليسهل على القبائل فهمه واستيعابه.

ثم في سنة 25 هجرية، وفي خلافة عثمان بن عفان، رأى الصحابة أنه بعد الفتوحات الإسلامية، بدأ أهل العراق والشام وبعض الأمصار بالاختلاف حول القراءة الصحيحة للقرآن فكان يكفّر بعضهم بعضاً. فقام عثمان بتشكيل لجنة من كَتَبَة الوحي أيام رسول الله محمد لتجميع القرآن وأمرهم بجعل نسخة واحدة موحدة ومدققة على أساس القراءة الثابتة والمتواترة عن الرسول وهي قراءة أهل مكة.

عن أنس بن مالك: أن حُذيفة بن اليمان قدم عَلى عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. (رواه بخاري)

وسمي هذا المصحف بمصحف عثمان أو مصحف الإمام، ولم يبق سوى هذا المصحف منذ عهده. وهي النسخة التي تطبع حاليا بالرسم العثماني في كل أنحاء العالم الإسلامي.

[تحرير] رسم المصحف وتطوير خطه

المقصود بـ "رسم المصحف " هو الخط أو الطريقة التي كتبت فيها حروف المصحفة وفقاً للمصاحف العثمانية. إن القرآن في عهد النبي وفي عهد عثمان كذلك لم يكن مكتوباً بنفس الطريقة التي نراها اليوم ، فقد كانت الكتابة آنذاك خالية من التشكيل والنقط، ومعتمدة على السليقة العربية التي لا تحتاج لهذا التشكيل. ولم يتغير هذا الحال إلى ان بدأت الفتوحات واختلط العرب بالعجم، وبدأ غير الناطقين بالعربية يقعون في أخطاء في قراءته. فكان من الضروري كتابة المصحف بالتشكيل والنقاط حفاظاً عليه من أن يُقرأ بطريقة غير صحيحة.

وكان التابعي أبو الأسود الدؤلي أول من وضع ضوابط اللسان العربي، وقام بتشكيل القرآن الكريم بأمر من علي بن أبي طالب. وجعل آنئذ علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وعلامة الكسرة نقطة أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين. و أعانه في ذلك بعض العلماء، من بينهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان أول من صنف كتاباً في رسم نقط الحروف وعلاماتها، وهو أول من وضع الهمزة والتشديد وغيرها من علامات الضبط، ثم دوّن علم النحو ليكون ضابطاً للقرآن ليقرأ بشكل سليم لا يخل بمعناه.

ثم بعد ذلك مر المصحف في طور التجديد والتحسين على مر العصور، وفي نهاية القرن الهجري الثالث، كان الرسم القرآني قد بلغ ذروته من الجودة والحسن والضبط، حتى استقر المصحف على الشكل الذي نراه عليه اليوم من الخطوط الجميلة وابتكار العلامات المميزة التي تعين على تلاوة القرآن تلاوة واضحة جيدة واتباع قواعد التجويد.

[تحرير] علوم القرآن

صورة لمصحف تجويد مع حروف ملونة لتوضيح الأحكام المختلفة
صورة لمصحف تجويد مع حروف ملونة لتوضيح الأحكام المختلفة

منذ بداية نزول القرآن وانشغال المسلمين البالغ به وبتعلمه، بدأت حوله عدة علوم ومعارف، منها ما كان هدفه تفسير القرآن والوقوف على معانيه، ومنها ما اختص بالطريقة الصحيحة لتلاوته وغيرها من العلوم التي قامت حول القرآن وفي خدمته.

وعلوم القرآن كثيرة ومتنوعة. وكان قراء الصحابة هم الأوائل في معرفة علوم القرآن، ومعرفةً بالناسخ والمنسوخ، وبأسباب النزول، ومعرفة الفواصل والوقف، وكل ما هو توقيفي من علوم القرآن. وخلال فترات التاريخ الإسلامي برز في كل عصر علماء اختصوا في مجال من محالات علوم القرآن، فألفوا في مختلف فنون هذا العلم.

فمنذ عهد النبي والصحابة يستفتسرون منه عما اشكل عليهم من معاني القرآن، واستمروا يتناقلون هذه المعاني بينهم لتفاوت قدرتهم على الفهم وتفاوت ملازمتهم للنبي، وبذلك بدأ علم تفسير القرآن. والذي روي عن هؤلاء الصحابة والتابعين لا يتناول علم التفسير فحسب، بل يشمل أيضاً علوماً أخرى منها علم غريب القرآن وعلم اسباب النزول وعلم المكي والمدني وعلم الناسخ والمنسوخ وغيرها من العلوم. وقد كتب العديد من المفسرين مصنفات في تفسير القرآن منهم الطبري والترمذي وابن كثير(سنة)، والزمخشري(معتزلة)، ومحمد حسين الطباطبائي(شيعة).

وبعد جمع عثمان للقرآن في مصحف واحد، وسمي بالمصحف العثماني، وسميت كتابته بالرسم العثماني، بدأ الاهتمام بـ "علم الرسم القرآني". وفي خلافة علي عندما وضع أبو الأسود الدؤلي بأمر منه قواعد النحو صيانه لسلامة النطق و ضبطً القرآن الكريم، بدأ علم "إعراب القرآن". ومع ابتعادنا عن اللغة العربية، ظهرت الحاجة لظهور علوم اخرى تتعلق بتلاوة القرآن تلاوة صحيحة، فظهر علم التجويد وأحكام القرآن.

وبهذا استمر اهتمام المسلمين بالقرآن وبعلومه حتى يومنا هذا، فظهرت علوم أخرى مثل علم إعجاز القرآن. ومع انتشار الاسلام والفتوحات الاسلامية ووصول الاسلام إلى شتى انحاء العالم، ظهرت الحاجة إلى ترجمة القرآن وترجمة علومه، فظهر علم الترجمة. و طبقا للشريعة الإسلامية مازال القرآن نبعاً للمزيد من هذه العلوم لمن أراد أن يبحث في خيراته ويتأمل في عجائبه واعجازه. ومهما كانت الترجمة دقيقة فلا يجوز التعبد بها ولا تعتبر نصا معجزا لأن النص العربي كل كلمة فيه تحمل معاني كثيرة وترجمتها لمعنى واحدمنها يقصر الفهم في هذا المعنى ويحد من استنباط أحكام جديدة لقضايا معاصرة.

[تحرير] وصف القرآن في القرآن

  1. "هدىً للمتقين" في سورة البقرة.
  2. المصدّق لسائر الكتب السماوية وهو الهدى والبشرى لأهل الإيمان: { قل من كانَ عدواً لجبريلَ فإنّه نزّله على قلبَك بإذن الله مصدّقاً لما بين يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين }.. سورة البقرة - الآية (97).
  3. المبين للناس والموعظة للمتقين: { هذا بيانٌ للناس وهدىً وموعظةٌ للمتقين } .. سورة آل عمران - الاية (138).
  4. المخرج للناس من الظلمات إلى النور: { آلر كتاب أنزلناهُ اليكَ لتخرجَ النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربهمْ إلى صراط العزيز الحميد" سورة ابراهيم }.. الاية الاولى.
  5. المذكِّر : { طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى } سورة طه - الايات (1-3)، وكذلك الاية الاخيرة من سورة القلم.
  6. احسن الحديث والكتاب المتشابه : { اللهُ نزّلَ أحسنَ الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَ تقشعرّ منهُ جُلود الذين يخشونَ ربّهم ثم تلين جلودُهُم وقلوبهُم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاءُ ومن يُضلل اللهُ فما لهُ من هاد } سورة الزمر الاية (23).
  7. هو خير من كل ثروة : { قلْ بفضلِ اللهِ وبرحمته فبذلك فيفرَحوا هو خيرٌ مما يَجمعون } سورة يونس الاية (58).
  8. انه الهدى ومصدر الشفاء للذين آمنوا : { ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصّلت آياته أاعجمي وعربي قل هو للذينَ آمنوا هدىً وشفاء... } سورة فصلت الاية (44).

[تحرير] القرآن الكريم كمعجزة

قال تعالى: " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء: 88)


طبقا للشريعة الإسلامية فالقرآن هو معجزة الإسلام التي جاء بها النبي محمد. والمعجزة هي حدث لا يمكن تفسيره حسب قوانين الطبيعة. وهذا الحدث إنما هو تحدي للبشر المعارضين لأمر الدعوة لاثبات صدقها وأنها من عند الله.

والبشر بطبيعتهم، كلما جاءهم نبي طلبوا منه معجزة كدليل على صدق نبوته. و يذكر القرآن أن النبي محمد قال له قومه: " وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ" (العنكبوت: 50).

و طبقا للشريعة الإسلامية فإن من حكمة الله أنه كلما أعطى رسولاً معجزة كانت موافقة للمجال الذي برز فيه قوم هذا النبي وتمكنوا منه. فقوم عيسى (ع) كانوا مهرة بالطب فكانت كذلك معجزة عيسى بأنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فكانت معجزته أقدر من قدرتهم. وقوم موسى (ع) امتازوا بالسحر، فجاءت معجزته مبطلة لهذا السحر، فألقى العصى فأصبحت ثعباناً يلتقط سحرهم، وكذلك كانت معجزة كل نبي في مجال امتياز قومه. والعرب في الجاهلية قبل الإسلام قد عُرفوا بفصاحة اللسان، وقدرتهم على الشعر، فقد كانوا مولعين بالفصاحة والبلاغة والجمال اللغوي ولهم معلقاتهم الشعرية والنثرية وكانت البلاغة العربية ذات شأن.

فلما بدأت دعوة النبي محمد كانت معجزته، من وجهة النظر الإسلامية، كتاب فيه من البلاغة والفصاحة وجمال الاسلوب اللغوي ما عجز فطاحلة العرب من الرد عليه والاتيان بمثله حتى عندما دعاهم لذلك كما في الآية: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَـزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. (البقرة 23) و الآية: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. (سورة الطور 33-34)

فطبقا للشريعة الإسلامية فالقرآن معجزة لغوية عجز عن الرد عليها إلى اليوم كل البشر. وليس ذلك فحسب، بل القرآن من وجهة نظرهم فيه من المعجزات ما عجز البشر عن الرد عليه، لذلك يعتقد الكثير من المسلمين بوجود ما يسمونه بالإعجاز العلمي والطبي، الذين يعنون بهما وجود علوم في القرآن لم تكن معروفة في عهد النبي محمد ولا يمكن لبشر أن يعرفه وقت نزول القرآن، بل بعضها أشياء اكتشفها العلم حديثاً، و قد أصدر بعض المسلمين موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن في شأن ذلك.

[تحرير] تحديات القرآن

يذكر القرآن نبؤات وحجج، ولكنه يخبرنا أيضا بتحديات، فيقول:

  • ﴿⁠⁠ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا⁠ ﴾ سورة الإسراء-88
  • ﴿⁠⁠ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ⁠ ﴾ سورة الحج-73
  • {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }البقرة23

[تحرير] فهرست سور القرآن الكريم

[تحرير] أنظر أيضا

[تحرير] روابط خارجية

[تحرير] مراجع

القرآن الكريم

1 2 3 4