ميخائيل نعيمة
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ميخائيل نعيمة ولد في جبل صنين في لبنان عام 1889 وانهى دراسته المدرسية في مدرسة الجمعية الفلسطينية في بسكنتا وتبعها بخمس سنوات جامعية في بولتافيا الأوكرانيةبين عامي 1905 و 1911 ، ثم اكمل دراسته في الولايات الامريكية المتحدة(منذ ديسمبر 1911) وحصل على الجنسية الامريكية . انضم إلى الرابطة القلمية وكان نائبا لجبران خليل جبران في الرابطة القلمية ،التي أسسها أدباء عرب في المهجر ، عاد إلى بسكنتا عام 1932 واتسع نشاطه الأدبي . لقّب ب"ناسك الشخروب" ، توفي عام 1988.
فهرست |
[تحرير] من مؤلفاته
- همس الجفون .
- البيادر .
- كان ما كان .
- الأوثان
- سبعون .
- المراحل.
- كرم على درب.
- مذكرات الأرقش.
- مسرحية الآباء والبنون.
- مرداد.
- أيوب.
- جبران خليل جبران.
- اليوم الأخير.
- في مهب الريح.
- هوامش.
- دروب.
- أكابر.
- أبو بطة.
- أبعد من موسكو ومن واشنطن.
- صوت العالم.
- النور والديجور.
- لقاء
- اليوم الأخير
[تحرير] وصلات خارجية
[تحرير] من رسائل ميخائيل نعيمة إلى عبد الكريم الأشتر
تلقيت من الأستاذ ميخائيل نعيمه ست رسائل، وُقِّعَتْ كلُّها بين عامي 1958 و1961؛ وأكثرها كان ردًّا على رسائل أرسلتها إليه، وهو في بسكنتا (قريته في قضاء المتن بلبنان). والأولى منها كانت ردًّا على أول رسالة أرسلتُها إليه، أسأله فيها أن يحدِّد لي موعدًا ألقاه فيه. وكان انتقل إلى بيروت إثر حادث وقع له في الشخروب (مزرعة الأسرة في جبل صنين، وصورُها شائعة في أدب نعيمه)، تلقَّاه نعيمه بصبر جميل، وكان يقول لمحدِّثيه في بيروت: "كنت أعلم أن الشخروب لا بدَّ أن يشرب من دمي يومًا."
بسكنتا لبنان[2] 28 ت 1958
عزيزي السيد عبد الكريم
عليك مني أطيب السلام. وبعد فقد تلقيت رسالتك اللطيفة، وأسفت كثيرًا للأحداث في لبنان[3] تحول دون تلاقينا في الصيف. ومما يزيد في الطين بلة أن حادثًا وقع لي في أواخر آب أقعدني عن العمل نحو ثلاثة شهور. وتراني، بسبب ذلك الحادث، قد هربت مؤخرًا من برد بسكنتا إلى دفء بيروت. وسيسرني أن أراك فيها نهار الخميس – الرابع من كانون الأول – نحو الساعة العاشرة صباحًا.
وإليك عنواني: شارع المقدسي – رأس بيروت – بناية لبابيدي – مسكن رقم 2. ورقم تلفون البناية: 37398. أرجو أن يصلك هذا الجواب بغير إبطاء، وأن يجدك في أحسن حال. وإلى اللقاء إن شاء الله. المخلص ميخائيل نعيمه
وقد قابلت نعيمه في الموعد المضروب، وامتد الحديث، في جلسات، بينه وبيني على مدى ثلاثة أيام، سجَّلت فيها عنه ما يزيد عن ثلاثين صفحة
[تحرير] اعجابه بلغة القرآن الكريم
اعجب نعيمة كثيرا بلغة القران واقتبس منها كثيرا، واعتبر ان ابلغ النصوص العربية وردت في القران ، قال : وابلغ هذه النصوص :وصف الطوفان في سورة هود(وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء واستوت على الجودي...الاية)
| شعراء المهجر | |
|---|---|
| القرن التاسع عشر - القرن العشرين | |
| الرابطة القلمية: جبران خليل جبران - ميخائيل نعيمة - ايليا ابو ماضي - نسيب عريضة - رشيد ايوب - عبد المسيح حداد - ندرة حداد - وليم كاتسليف - وديع باموط - الياس عبد الله | |
| مدرسة أبولو: ويليام بلاك - | |
| آخرون: امين الريحاني - نعمة الله الحاج | |
| العصبة الأندلسية: ميشيل نعمان معلوف - فوزي المعلوف - رشيد سليم خوري - شفيق المعلوف - الياس فرحات - عقل الجر - شكر الله الجر - جرجس كرم - توفيق قربان - اسكندر كرباج - نضير زيتون - مهدي سكافي |
نبذة عن ميخائيل نعيمة ( ناسك الشخروب )
ميخائيل نعيمة ولد في جبل صنين في لبنان عام 1889 وانهى دراسته المدرسية في مدرسة الجمعية الفلسطينية في بسكنتا وتبعها بخمس سنوات جامعية في بولتافيا الأوكرانية بين عامي 1905 و 1911 ، ثم اكمل دراسته في الولايات الامريكية المتحدة(منذ ديسمبر 1911) وحصل على الجنسية الامريكية . انضم إلى الرابطة القلمية وكان نائبا لجبران خليل جبران في الرابطة القلمية ،التي أسسها أدباء عرب في المهجر ، عاد إلى بسكنتا عام 1932 واتسع نشاطه الأدبي . لقّب ب"ناسك الشخروب" ، توفي عام 1988.
سنة 1914، نشر نعيمة مجموعته القصصية الأولى: "سنتها الجديدة، وهو في أمريكا، وفي العام التالي 1915، نشر قصة "العاقر" وانقطع على ما يبدو عن الكتابة القصصية حتى العام 1946 إلى أن صدرت قمة قصصه الموسومة بعنوان "مرداد" سنة 1952، وفيها الكثير من شخصه وفكره الفلسفي. وبعد ستة أعوام نشر سنة 1958 "أبو بطة"، التي صارت مرجعاً مدرسياً وجامعياً للأدب القصصي اللبناني/العربي النازع إلى العالمية، وكان في العام 1956 قد نشر مجموعة "أكابر" "التي يقال أنه وضعها مقابل كتاب النبي لجبران".
سنة 1949 وضع نعيمة رواية وحيدة بعنوان "مذكرات الأرقش" بعد سلسلة من القصص والمقالات والأِشعار التي لا تبدو كافية للتعبير عن ذائقة نعيمة المتوسع في النقد الأدبي وفي أنواع الأدب الأخرى، والسؤال لماذا اكتفى الكاتب بهذا النموذج الروائي اليتيم، ربما وجد في القصصي والروائي نموذجا سردياً مشتركا، وسيكون الحال كذلك مع الأنواع الأدبية كالمسرح والشعر والسيرة .. فيما كانت المقالات والدراسات هي الطاغية، "22 عملاً من أصل 37". "مسرحية الآباء والبنون" وضعها نعيمة سنة 1917، وهي عمله الثالث، بعد مجموعتين قصصيتين فلم يكتب ثانية في هذا الباب سوى مسرحية "أيوب" صادر/بيروت 1967. "مجموعته الشعرية الوحيدة همس الجفون" وضعها بالإنكليزية، وعربها محمد الصابغ سنة 1945، إلا أن الطبعة الخامسة من هذا الكتاب (نوفل/بيروت 1988) خلت من أية إشارة إلى المعرب.
سيرة ذاتية: بعنوان "سبعون" وضع قصة حياته في ثلاثة أجزاء ما بين عامي 1959 و 1960، ظنا منه أن السبعين هي آخر مطافه، ولكنه عاش حتى التاسعة والتسعين، وبذلك بقي عقدان من عمره خارج سيرته هذه.
تعريب: قام ميخائيل نعيمة بتعريب كتاب "النبي" لجبران، كما قام آخرون من بعده بتعريبه (مثل يوسف الخال، نشرة النهار)، فكانت نشرة نعيمة متأخرة جداً (سنة 1981)، وكانت شهرة (النبي) عربياً قد تجاوزت آفاق لبنان.
مختارات من ميخائيل نعيمة "جزء واحد" وأحاديث مع الصحافة "جزء واحد عام 1974". في الدراسات والمقالات والنقد والرسائل وضع ميخائيل نعيمة ثقله التأليفي (22 كتاباً)، نوردها بتسلسلها الزمني:
"الغربال 1927، كان يا ماكان 1932، المراحل، دروب 1934، جبران خليل جبران 1936، زاد المعاد 1945، البيادر 1946، كرم على درب الأوثان 1948، صوت العالم 1949، النور والديجور 1953، في مهب الريح 1957، أبعد من موسكو ومن واشنطن 1963، اليوم الأخير 1965، هوامش 1972، في الغربال الجديد 1973، مقالات متفرقة، يابن آدم، نجوى الغروب 1974، رسائل، من وحي المسيح 1977، ومضات، شذور وأمثال، الجندي المجهول
سبع رسائل لأبن آدم ... بقلم ميخائيل نعيمة
يا ابن آدم! تاريخك لم يُكتَب بعد. وهو لن يُكتَب حتى تكون لك المعرفةُ الكاملة. والمعرفة الكاملة هي معرفة ما كان، وما هو كائن، وما سيكون من أمرك مع الحياة، أُمِّك، ومع نفسك، ومع كلِّ منظور وغير منظور في الفضاء. فكلُّ ما كان يرتبط أوثق الارتباط بكلِّ ما هو كائن؛ وكلُّ ما هو كائن لا ينفصل أبدًا عن كلِّ ما سيكون. فلا أزلٌ من دون أبد؛ ولا أبدٌ من دون أزل. على ذاتها تدور قافلةُ الزمان؛ وأوَّلُها مقطورٌ أبدًا بآخِرها. كلُّ رفَّة جفن هي حلقة موصولة الأسباب والنتائج بما قبلها وبعدها من الحلقات في سلسلة الزمان اللامتناهية؛ ومعرفة السلسلة الكاملة هي المعرفة الكاملة. وقبل أن تكون لك تلك المعرفة فتاريخك حكاياتُ عجائز، وثرثراتُ أطفال، ودبيبُ نمل في الرمال.
يا ابن آدم! مغبوط أنت، وأي مغبوط! لقد أحبَّتْك الحياةُ – أمُّك – إلى حدِّ أنْ جهَّزتْك بكلِّ ما تحتاجه لبلوغ المعرفة. فهي ما ولدتْك لتتسلَّى بك، بل لتتجلَّى فيك. وهي تريدك أن تصبح مثلها: واعيًا كلَّ ما كان، وما هو كائن، وما سيكون؛ طليقًا من أحابيل الزمان وقيود المكان؛ مالكًا كلَّ شيء، وغير مملوك لشيء؛ شاملاً لا مشمولاً؛ خالقًا لا مخلوقًا؛ وفوق الخير والشرِّ. ولأنَّ طريق المعرفة طويل، طويل، وعسير، عسير، فقد أفسحتْ لك الحياةُ أقصى ما تحتاجه من الزمان لاجتيازه – حتى ملايين السنين – وجعلت اجتيازَه على مراحل. لكنَّك لَجوج، يا ابن آدم، وأي لَجوج! – وذلك هو شأن الأطفال والجهَّال في كلِّ زمان ومكان. فأنت تريد أن تختصر المراحلَ كلَّها في مرحلة واحدة، وأن تقفز إلى المعرفة الكاملة في خلال سنوات معدودات؛ وإذ لا تُدرِكها – وتدرك الموتَ الزؤام – تعود فتثور على الحياة، أمِّك، وتكفر بالنِّعَم التي أسبغتْها عليك، وتنسى أنها أحبَّتْك محبَّتَها لذاتها، وأنها جعَلتْ لك من الموت نهايةَ مرحلةٍ وبدايةَ مرحلةٍ في طريقك الطويل، العسير – وثورتك على أمِّك هي العقوق بعينه.
يا ابن آدم! حذارِ من الأُلفة – كأنْ تألف الأشياءَ، فلا تَدهَش لشيءٍ. كلُّ ما في الأرض وفوقها مدهش وعجيب – عجيب منتهى العجب! وقد تكون أنت – بجسدك وروحك – من أعجب ما في الكون. فحريٌّ بك أن تعيش في دهشة دائمة؛ وحريٌّ بدهشتك أن تفتح لك البابَ إلى قلب الحياة الفسيح. أمَّا متى فارقتْك الدهشةُ فقد فارقَك الأملُ بولوج قلب الحياة – وهكذا حكمتَ على نفسك بأن تبقى خارجًا، وتبقى غريبًا.
يا ابن آدم! لقد صرفَتْك الدهشةُ بأعمالك عن الدهشة بأعمال الحياة، أمِّك. وأعمالك – لو تدري – زبَدٌ متطايرٌ على وجه بحر حياتك، وأكبرها أصغر من أصغر أعمال الحياة. أفلا خفَّفتَ من خيلائك، ومن ادِّعائك، ومن كبريائك؟! أفلا تواضعتَ قليلاً، وطأطأتَ رأسك، وتخشَّعتَ، وتورَّعت؟!
يا ابن آدم! إن دنيا أوَّلُها مَهدٌ وآخِرُها لحد لدنيا تهزأ بمُلك الملوك، وقوَّة الأقوياءِ، وعظمة العظماءِ، وثروة الأثرياءِ، وعِلم العلماءِ، ولا تميِّز بين الخاصَّة والدهماءِ. وإنها لتسخر من خصومات الناس – لا فرق بين كبيرها وصغيرها. وهل أدعى إلى الشفقة من جماعة محكوم عليهم بالإعدام يتشاجرون ويتناحرون في سبيل النَّطع الذي عليه سيُعدَمون، أو الحبل الذي به سيُشنَقون، أو اللَّحد الذي فيه سيُلحَدون؟! – وكان حريًّا بهم أن يتصافحوا، ويتعانقوا، ويتعاونوا، لعلَّهم إلى النجاة يهتدون.
يا ابن آدم! لَئن سلكتَ مسالكَ النجوم في أبراجها، والرياحَ في أجوائها، والحيتانَ في بحارها؛ لَئن ملأتَ أهراءَك بالخيرات، ودماغَك بالأرقام والمعادلات، وأترعتَ عينيك وأذنيك بمختلف المغريات، وأطلتَ عمركَ حتى الألف والألفين، لن تزيد مثقال ذرَّة في هنائك، ولن تخفِّف مثقال ذرَّة من شقائك، مادُمتَ عرضةً للخوف من أيِّ شيء، ومادُمتَ تفرح وتحزن، وتغضب وترضى، وتحبُّ وتكره، وتنخدع وتَخدع، وتجوع وتشبع، وتَحسُد وتُحسَد، وتقنع وتطمع، ثم تنتهي بأن تردَّ النفَسَ في صدرك إلى الفضاء الذي منه جاءَ. وستبقى حالُك كذلك مع الحياة، أمِّك، إلى أن تعود فتعترف في قرارة نفسك بأنها الأمُّ المُحِبَّة، وأنك الطفل الحبيب، وأنها المسؤولة عنك، لا أنت عنها – لعلَّك إذ ذاك تكفُّ عن رعونتك، فلا تحاول تسييرها حسب إرادتك، بل تسايرها حسب إرادتها. فإرادتها إرادة العارف كلَّ شيء، وإرادتك إرادة الجاهل كلَّ شيء. وإرادة العارف هي وحدها الإرادة المبصرة؛ أمَّا إرادة الجاهل فإرادة عمياءُ، وهي وبالٌ على صاحبها، وأي وبال! ولأنك جاهل، يا ابن آدم، فإرادتك وبالٌ عليك، ولا خلاص لك منها إلا بالتنازل عنها ريثما تبلغ سنَّ الرشد – رشد الحياة الواعية، الشاملة، الكاملة، لا رشد الإنسان المصفَّد بأصفاد اللحم والدم، والزمان والمكان، والخير والشرِّ. وعندئذٍ تصبح إرادةُ أمِّك إرادتَك.
يا ابن آدم! حيث الموت بالمرصاد لكلِّ ما يولد وينمو، ولكلِّ ما تصنعه يداك، ويعتزُّ به عقلك، وتضحك أو تدمع له عيناك، جدير بك أن تفتِّش عمَّا لا يموت – حتى إذا اهتديتَ إليه تمسَّكتَ به تمسُّك الغريق بخشبة النجاة، وتمسُّك الأعمى بذيل دليله. الحياة لا تموت، المحبة لا تموت، الضمير لا يموت، الإيمان لا يموت، والذات التي هي أنت لا تموت – حتى وإنْ ذابت في النهاية في ذات أمِّك الحياة... ففي ذوبانها حياتُها.
ميخائيل نعيمة بشخصه جمع بين الشعر والنقد والرواية والمسرح ، إلا انه تميز في مجالي الشعر والنقد ، وكان فنه ولا سيما شعره صدى مخلصا لتصوراته النقدية ،ونقده دفاعا متواصلا عن المثال الأدبي الذي ارتأى فيه التحقق الجمالي . وكان يمتلك روحا تأمليَّة ظهرت بدرجات متفاوتة في شعره ومقالاته وفي رؤيته النقدية. ومن سمات شعره التجديد، وتنوع القوافي، وعدم التعويل على العروض الشعري - بالشكل المألوف - ومن خلال طرح المعاني الانسانية، والمشاعر المتصلة "بالانسان". .. ان من يقرأ شعر نعيمة مثل قوله: يخاطب"اوراق الخريف":
عودي إلى حضن الثرى.... وجددي العهود وانسي جمالاً قد ذوى... ما كان لن يعود كم ازهرت من قبلك.. وكم ذوت ورود.. .. فلا تخافي ما جرى... .. من قد اضاع الجوهرا .. يلقاه في اللحود. .. عودي إلى حضن الثرى....
... هذا المقطع بما يتضمنه من لغة شعرية منسابة وتجديد في النمط او التشكيل الشعري يحمل فكرة فلسفية تتصل بالحياة والموت او الوجود والعدم.... ومن يقرأ قوله في قصيدته الشهيرة "لست اخشى":
- سقف بيتي حديد - ركن بيتي حجر - فاعصفي يارياح - وانتحب يا شجر - واسبحي يا غيوم -- واهطلي بالمطر - واقصفي يا رعود - لست اخشى الخطر - فاختفي يا نجوم - وانطفىء يا قمر - من سراجي الضئيل - استمد البصر...
الى اخر القصيدة التي تعكس روح التجديد الشعري، وملمح ميخائيل نعيمة التشكيلي الذي يتميز "بقصر المقطع" وسرعة الايقاع، وتدفق الشعور فضلاً عن صلابة الموقف الحياتي بازاء صروف الحياة... هذه الصلابة التي ميزت قلم ميخائيل نعيمة بعد ذلك في النقد وفن الكتابة بعامة.. وفي قصيدته "يابحر" التي يخاطب فيها البحر:
- اما تعبت؟ عجيج - كرٌّ، ففرٌّ، فكرُّ.؟ - ماذا تروم وأنى - تسير لا تستقر..؟ - كأنما فيك مثلي - قلبان: عبد وحر - هذا يروم فراراً - من ذا وليس مفر. - يا بحر يا بحر قل لي - هل فيك خير وشر؟ - هل في سكونك أمن - وفي هياجك ذعر.؟ - ام في امتدادك يسر - وفي انقباضك عسر.؟ - وفي انخفاضك ذل - وفي ارتفاعك فخر.؟ - وفي سكونك حزن - وفي هديرك بشر. - وقفت والليل داج - والبحر كر وفر. - فلم يجبني بحر - ولم يجبني بر. - وعندما شاب ليلي - وكحل الافق فجر - سمعت نهراً يغني: "في الكون طى ونشر. - في الناس خير وشر - في البحر مد وجزر...
وتبدو القصيدة السابقة حاملة لنهج ميخائيل نعيمة الشعري: قصر المقاطع، الاتكاء علي السؤال.. الثنائية... تلقائية السياق الشعري وانسيابيته.. كل ذلك مع الانطلاق- اصلاً - من المفهوم الفلسفي التأملي، وجعل البحر طرفاً آخر في الخطاب الشعري او الحوارية الشعرية..!
من قصائده :
قصيدة أخــي .... الشاعر ميخائيل نعيمة
أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ ماتوا وعَظَّمَ بَطْشَ أبطالِهْ فلا تهزجْ لمن سادوا ولا تشمتْ بِمَنْ دَانَا بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشِعٍ دامٍ لنبكي حَظَّ موتانا
أخي ! إنْ عادَ بعدَ الحربِ جُنديٌّ لأوطانِهْ وألقى جسمَهُ المنهوكَ في أحضانِ خِلاّنِهْ فلا تطلبْ إذا ما عُدْتَ للأوطانِ خلاّنَا لأنَّ الجوعَ لم يتركْ لنا صَحْبَاً نناجيهم سوى أشْبَاح مَوْتَانا
أخي ! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو يزرَعْ ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً هَدَّهُ المِدْفَعْ فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ مَأْوَانا ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في أراضِينا سوى أجْيَاف مَوْتَانا
أخي ! قد تَمَّ ما لو لم نَشَأْهُ نَحْنُ مَا تَمَّا وقد عَمَّ البلاءُ ولو أَرَدْنَا نَحْنُ مَا عَمَّا فلا تندبْ فأُذْن الغير ِ لا تُصْغِي لِشَكْوَانَا بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفْشِ والمِعْوَل نواري فيه مَوْتَانَا
أخي ! مَنْ نحنُ ؟ لا وَطَنٌ ولا أَهْلٌ ولا جَارُ إذا نِمْنَا ، إذا قُمْنَا رِدَانَا الخِزْيُ والعَارُ لقد خَمَّتْ بنا الدنيا كما خَمَّتْ بِمَوْتَانَا فهات الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر نُوَارِي فيه أَحَيَانَا
قصيدة النهر المتجمد .... للشاعر ميخائيل نعيمة
يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟ أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟
بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق
بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !
ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟
ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال
والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ
تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى
وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء
لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع
وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار
وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم
والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن
والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن
وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب
قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج
قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل
فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها
سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء
نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد
وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ
يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا
قصيدة إلى دودة .... للشاعر ميخائيل نعيمة
تدبّين دبَّ الوهنِ في جسميَ الفاني وأجري حثيثاً خلف نعشي وأكفاني
فأجتاز عمري راكضاً متعثّراً بأنقاض آمالي وأشباح أشجاني
وأبني قصوراً من هباءٍ وأشتكي إذا عبثتْ كفُّ الزمانِ ببنياني
ففي كل يومٍ لي حياةٌ جديدةٌ وفي كلّ يومٍ سكرةُ الموتِ تغشاني
ولولا ضبابُ الشكّ يا دودةَ الثرى لكنتُ أُلاقي في دبيبِكِ إيماني
فأترك أفكاري تُذيع غرورَها وأترك أحزاني تكفّن أحزاني
وأزحف في عيشي نظيرَكِ جاهلاً دواعيَ وجدي أو بواعثَ وجداني
ومستسلماً في كلّ أمرٍ وحالةٍ لحكمةِ ربّي لا لأحكام إنسان
فها أنتِ عمياءٌ يقودكِ مُبصرٌ وأمشي بصيراً في مسالك عُميان
لكِ الأرضُ مهدٌ والسماءُ مظلّةٌ ولي فيهما من ضيق فكريَ سِجْنان
لئن ضاقتا بي لم تضيقا بحاجتي ولكنْ بجهلي وادّعائي بعرفاني
ففي داخلي ضدّان: قلبٌ مُسلِّمٌ وفكرٌ عنيد بالتساؤل أضناني
توهّم أن الكونَ سِرٌّ وأنّهُ يُنال ببحثٍ أو يُباح ببرهان
فراح يجوب الأرضَ والجوَّ والسَّما يُسائل عن قاصٍ ويبحث عن دان
وكنتُ قصيداً قبل ذلك كاملاً فضعضع ما بي من معانٍ وأوزان
وأنتِ التي يستصغر الكلُّ قدرَها ويحسبها بعضٌ زيادةَ نقصان
تدبّين في حضن الحياةِ طليقةً ولا همَّ يُضنيكِ بأسرارِ أكوان
فلا تسألين الأرضَ مَنْ مدَّ طولَها ولا الشمسَ من لظّى حشاها بنيران
ولا الريحَ عن قصدٍ لها من هبوبها ولا الوردةَ الحمراءَ عن لونها القاني
وما أنتِ في عين الحياةِ دميمةٌ وأصغرُ قَدْراً من نسورٍ وعُقبان
فلا التبرُ أغلى عندها من ترابها ولا الماسُ أسنى من حجارةِ صَوّان
هل استبدلتْ يوماً غراباً ببلبلٍ وهل أهملتْ دوداً لتلهو بغزلان؟
وهل أطلعتْ شمساً لتحرقَ عوسجاً وتملأ سطحَ الأرضِ بالآس والبان؟
لعمركِ، يا أختاه، ما في حياتنا مراتبُ قَدْرٍ أو تفاوتُ أثمان
مظاهرها في الكون تبدو لناظرٍ كثيرةَ أشكالٍ عديدةَ ألوان
وأُقنومُها باقٍ من البدء واحداً تجلّتْ بشُهبٍ أم تجلّتْ بديدان
وما ناشدٌ أسرارَها، وهو كشفُها، سوى مشترٍ بالماء حرقةَ عطشان
ميخائل نعيمة الناقد
إن لكل ناقد غرباله، لكل موازينه ومقاييسه، وهذه الموازين والمقاييس ليست مسجلة لا في السماء ولا في الأرض، ولا قوة تدعمها وتظهرها قيمة صادقة سوى قوة الناقد نفسه، وقوة الناقد هي ما يبطن به سطوره من الإخلاص في النية والمحبة لمهنته، والغيرة على موضوعه، ودقة الذوق، ورقة الشعور، وتيقظ الفكر، وما أوتيه بعد ذلك من مقدرة البيان لإيصال ما يقوله إلى عقل القارئ وقلبه..فالناقد الذي توفرت له مثل هذه الصفات لا يعدم أناسا ينضوون تحت لوائه، ويعملون بمشيئته فيستحبون ما يحب، ويستقبحون ما يقبح، وهو وراء منضدته سلطان تأتمر بأمره، وتتمذهب بمذهبه، وتتحلى بحلاه، وتتذوق بذوقه ألوف من الناس إذا طرق سبيلا سلكوه، وإذا صب نقمته على صنم حطموه ...( كتابه الغربال )
كان لميخائيل نعيمة كتابات نقدية رصينة تخلصت بشكل ملحوظ من الديباجات الإنشائية والمجاملات السمجة، وانفتحت على الكتابات التجريبية ثم سعى بعض الشعراء إلى دراسة الميتالوجيا العربية القديمة ودور الخرافات والأساطير في صياغتها، ولعل كتاب عبقر الفخم خير دليل على عمق تلك الدراسات . ويمكن القول إن معظم الآثار النقدية والثقافية والإبداعية محفوظة في كتاب فخم عنوانه (الغربال) صنعه ميخائيل نعيمة وأصدره عام 1923م وقد جاء فيه(ما تعود البعض أن يدعوه نهضة أدبية عندنا ليس سوى نغمة هبت على بعض شعرائنا وكتابنا من حدائق الآداب الغربية فدبت في مخيلاتهم وقرائحهم كما تدب العافية في أعضاء المريض بعد إبلاله من سقم طويل، والمرض الذي ألمَّ بلغتنا أجيالاً متوالية كان شللاً أوقف فيها حركة الحياة وجعلها بعد عزِّها السابق جيفة تتغذى بها أقلام الزعانف المستعبدين وقرائح النظامين والمقلدين). وكتاب الغربال متألف من قسمين الأول نظري يتضمن الآراء والقناعات والمناهج النقدية التي شكلت الذهنية المهجرية، أما الآخر فهو تطبيقي يحاول اعتماد آراء القسم الأول دليلَ عمل في نقد نصوص القسم الثاني، ونعيمة ميال إلى اعتماد الذائقة الخاصة في النقد وهو ما أسماه (المنهج الإنطباعي) وفي المقابل تلاحظ ضيق نعيمة من المناهج العلمية!! (لكل ناقد غرباله، ولكل موازينه ومقاييسه، وهذه الموازين والمقاييس ليست مسجلة لا في السماء ولا على الأرض ولا من قوة تدعمها وتظهرها صادقة سوى قوة الناقد نفسه) ويفترض نعيمة امتلاك الناقد قوة ذكاء كبرى بحيث يميّز ويحلل ويقايس. ونعيمة يندد بالدعوات التي تسمع بين حين وآخر زاعمة الغيرة على الأدب التقليدي وتقليدية الأدب ويراها قبراً لكل رغبة في التجديد!! ولعل النقطة الأكثر أهمية والمتصلة برفضه القدامة وأصوليتها هي الموقف من العروض، فقد اشمأز من العناية بالكأس أكثر من محتواه، وبالمعبد أكثر من العبادة، وهو يؤكد (أنه لا الأوزان ولا القوافي من ضرورات الشعر، مثلما أن المعابد والطقوس ليست من ضرورات الصلاة والعبادة، فربّ عبارة منثورة جميلة التنسيق موسيقية الرنَّة كان فيها من الشعر أكثر مما في قصيدة من مائة بيت بمائة قافية، ورب صلاة خارجة من قلب مفكر فوق رمال الصحراء أدركت غايتها!! وذهبت كصرخة في واد صلوات خارجة من مئات الأفواه بين مئات من القناديل والشموع تحت سقوف مرصعة وقبب مزركشة. ) والملاحظ أن القصيدة المهجرية أو العبارة المهجّرة تحاول محاكاة اللوحة التشكيلية في ألوانها وخطوطها وحرارتها وكثيراً ما تحدث المبدع المهجري عن إعجابه بلوحات الفنانين الكبار،
قارن هذه المقتطفات من رسائل جبران خليل جبران إلى صديقته التي لم يرها طوال حياته الأديبة اللبنانية مي زيادة: 1- نيويورك،فبروري شباط 1925،(يا ماري ما رأيت أثراً من آثار ليوناردو دافنشي إلا وشعرت بقوة سحر تتمشى في باطني، بل وشعرت بجزء من روحه يتسرب إلى روحي). 2- بوسطن 28 مارس آذار 1925 (يا ماري أنا شديد الإعجاب بالفنان مانتيجنا، وفي شرعي أن كل صورة من صوره قصيدة غنائية جميلة ولكن عليك أن تزوري فلورنسة والبندقية وباريس لتشاهدي أعمال هذا الرجل الغريبة الشاذة بكل ما في الشذوذ من الإلهام والوحي). ثم لاحظ التماهي بين الطبيعة والصورة والشعر في الآتي: (1)نيويورك 31 ديسمبر كانون الأول 1923م (لا.. لا أعرف عيشاً أهنأ من عيش الأودية، وأحب الأودية، يا ماري في الشتاء، ونحن أمام موقد، ورائحة السرور المحروق تملأ البيت، والسماء تنثر الثلوج خارجاً، والريح تتلاعب بها، وقناديل الجليد مدلاة وراء زجاج النوافذ، وصوت النهر البعيد، وصوت العاصفة البيضاء يتآلفان في مسامعنا ولكن إذا لم تكن صغيرتي المحبوبة قريبة مني فلا كان الوادي ولا الثلج، ولا رائحة عود السرو ولا بلور قناديل الجليد ولا انشودة النهر، ولا هيبة العاصفة). (2)نيو يورك 26 فبروري شباط 1924م (وأنت تعلمين يا ماري أنني أحبُّ جميع العواصف خصوصاً العواصف الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق، وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهولة، حيث يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير منشداً أغنيته المنخفضة، أحبّ الثلج وأحبّ النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الإستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع). والنص المهجري إلى جانب محاكاته لطبائع اللوحة التشكيلية وتماهيه مع الطبيعة وموسيقاها فانه حريص على وحدة الموضوع، قارن (النهر المتجمد) التي كتبها نعيمة يوم كان في بعثة دراسية إلى روسيا فأقام في شقة تطل على النهر، وشعر بصداقة نحو النهر، بيد أنه استغرب من هيئة النهر، فهو يجري متدفقاً بالحياة في الصيف ويتجمّد متجلبباً بالموت في الشتاء!! فكتب القصيدة: (النهر المتجمّد) الواردة سابقاً...
سيرة ذاتية
اسم الكاتب:ميخائيل نعيمة بلد المولد: لبنان ولد في بسكنتا سنة 1889، إلى قمة أدبه الفلسفي التي صنعها بنفسه، لبناني، رحماني، أرثوذكسي في نصرانيته، إنساني في كلمته وعشرته ورحلته. دار حول العالم، من فلسطين الناصرة حيث درس في المدرسة الروسية إلى موسكو القيصرية، فالولايات المتحدة الأمريكية عام 1916 جامعة واشنطن، مع إجازتين في الأدب والحقوق، وإيفاده من قبل القيادة الأميركية إلى جامعة رين الفرنسية، ابان الحرب، وعودته منها إلى أمريكا سنة 1919، حينها أسس مع جبران وآخرين "الرابطة القلمية" التي دامت من 1920 إلى 1930 وعاد سنة 1932، إلى بسكنتا متوحداً فيها مع نفسه وقلمه، حيث وضع أهم أعماله.
سنة 1914، نشر نعيمة مجموعته القصصية الأولى: "سنتها الجديدة، وهو في أمريكا، وفي العام التالي 1915، نشر قصة "العاقر" وانقطع على ما يبدو عن الكتابة القصصية حتى العام 1946 إلى أن صدرت قمة قصصه الموسومة بعنوان "مرداد" سنة 1952، وفيها الكثير من شخصه وفكره الفلسفي. وبعد ستة أعوام نشر سنة 1958 "أبو بطة"، التي صارت مرجعاً مدرسياً وجامعياً للأدب القصصي اللبناني/العربي النازع إلى العالمية، وكان في العام 1956 قد نشر مجموعة "أكابر" "التي يقال أنه وضعها مقابل كتاب النبي لجبران".
سنة 1949 وضع نعيمة رواية وحيدة بعنوان "مذكرات الأرقش" بعد سلسلة من القصص والمقالات والأِشعار التي لا تبدو كافية للتعبير عن ذائقة نعيمة المتوسع في النقد الأدبي وفي أنواع الأدب الأخرى، والسؤال لماذا اكتفى الكاتب بهذا النموذج الروائي اليتيم، ربما وجد في القصصي والروائي نموذجا سردياً مشتركا، وسيكون الحال كذلك مع الأنواع الأدبية كالمسرح والشعر والسيرة .. فيما كانت المقالات والدراسات هي الطاغية، "22 عملاً من أصل 37". "مسرحية الآباء والبنون" وضعها نعيمة سنة 1917، وهي عمله الثالث، بعد مجموعتين قصصيتين فلم يكتب ثانية في هذا الباب سوى مسرحية "أيوب" صادر/بيروت 1967. "مجموعته الشعرية الوحيدة همس الجفون" وضعها بالإنكليزية، وعربها محمد الصابغ سنة 1945، إلا أن الطبعة الخامسة من هذا الكتاب (نوفل/بيروت 1988) خلت من أية إشارة إلى المعرب. سيرة ذاتية: بعنوان "سبعون" وضع قصة حياته في ثلاثة أجزاء ما بين عامي 1959 و 1960، ظنا منه أن السبعين هي آخر مطافه، ولكنه عاش حتى التاسعة والتسعين، وبذلك بقي عقدان من عمره خارج سيرته هذه.
تعريب: قام ميخائيل نعيمة بتعريب كتاب "النبي" لجبران، كما قام آخرون من بعده بتعريبه (مثل يوسف الخال، نشرة النهار)، فكانت نشرة نعيمة متأخرة جداً (سنة 1981)، وكانت شهرة (النبي) عربياً قد تجاوزت آفاق لبنان.
مختارات من ميخائيل نعيمة "جزء واحد" وأحاديث مع الصحافة "جزء واحد عام 1974". في الدراسات والمقالات والنقد والرسائل وضع ميخائيل نعيمة ثقله التأليفي (22 كتاباً)، نوردها بتسلسلها الزمني: "الغربال 1927، كان يا ماكان 1932، المراحل، دروب 1934، جبران خليل جبران 1936، زاد المعاد 1945، البيادر 1946، كرم على درب الأوثان 1948، صوت العالم 1949، النور والديجور 1953، في مهب الريح 1957، أبعد من موسكو ومن واشنطن 1963، اليوم الأخير 1965، هوامش 1972، في الغربال الجديد 1973، مقالات متفرقة، يابن آدم، نجوى الغروب 1974، رسائل، من وحي المسيح 1977، ومضات، شذور وأمثال، الجندي المجهول".
هو ذا ناسك الشخروب ميخائيل نعيمة، بتجاربه وأعماله هو واحد من أجمل نساك العالم ...


