مستخدم:Yusriy
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أدب مصاحب أم أدب مقارن ؟!!! بقلم : يسري عبد الغني عبد الله باحث و كاتب في الدراسات الأدبية والنقدية والمقارنية Ayusri_a@hotmail.com تعني كلمة المقارن في اللغة العربية (المصاحب) ، ففي المعجم الوجيز الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة : قرن الشيء بالشيء ، والشيء إلى الشيء ، وبين الشيئين أي جمع . وقارنه مقارنة وقراناً أي صاحبه واقترن به ، وقارن الشيء بالشيء أي وازنه ، ومن هنا قيل : الأدب المقارن ، أو التشريع المقارن . واقترن الشيء بغيره : اتصل به وصاحبه ، وتقارن الشيئان تلازما . وفي لسان العرب لأبن منظور ، وفي مادة (قارن) : قارن الشيء بالشيء مقارنة وقراناً ، أي قرنه به ، وجعله مصاحباً له ، وقارن الشيء بالشيء اقترن به وصاحبه . وعلى هذا فالمقارن في أغلب معاجم اللغة هو المصاحب ، وهو يقتضي المعاصرة الزمنية للشيئين المصاحبين أو المقترن أحدهما بالأخر . وهذا المدلول لا يتفق ـ من وجهة نظرنا ـ مع الموازنة المعروفة لدينا في كتب الأدب العربي . وعليه فالصحيح أن نقول : الأدب الموازن ، ففي معاجم اللغة العربية ، في مادة (وزن) نجد : وازن بين الشيئين موازنة ووزاناً ، أي قابل بينهما للمفاضلة والترجيح ، ووازن الشيء بالشيء أي ساواه وعادله في الوزن ، ووزن أو وازنه تعني عادله وقابله وحاذاه . وذلك بالطبع دون النظر إلى الفارق الزمني ، ومن هنا وردت عدة مؤلفات في الأدب العربي مستعملة كلمة الموازنة ، وذلك مثل كتاب : (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) للآمدي ، وكتاب : (الوساطة بين المتنبي وخصومه) للقاضي / عبد العزيز الجرجاني . وفي الموازنات الأدبية تعقد الموازنة بين طرفين لبيان أو لإظهار ما قال أحدهما في أحد الموضوعات ، وما قاله الآخر في نفس الموضوع ، مع إظهار ما جود كل منهما فيه ، وما أخذه الأول عن الثاني ، وما قصر فيه أحدهما عن الآخر. ولم يلحظ في ذلك الفارق الزمني أو التأثير من تغيير وتبديل نتيجة لفعل التطور التاريخي . ولما كانت الموازنات الأدبية تتم بين أطراف غير متزامنة ، وفي ظروف مختلفة ، اعتبرت كلمة المقارن غير صحيحة في هذا المضمار ، وأن التسمية (الأدب المقارن) تسمية مغلوطة أو غير سليمة ، والصواب أن نقول : (الأدب الموازن) . ورغم أن فقهاء اللغة أو أغلبهم في العصر الحديث يوافقون على ذلك ، إلا أن تسمية الأدب المقارن أصبحت هي الشائعة والمعروفة والمتداولة بين الباحثين في الآداب ، كما أنها اشتهرت واستعملت ، وكأن لسان الحال يقول : خطأ معروف ومستعمل أفضل من صحيح مهجور .[إبراهيم السمرائي ، فقه اللغة المقارن ، ص 183 ـ 184 ، بتصرف] وقد تنشأ المقارنات الأدبية نتيجة لقراءة رواية أدبية أو مسرحية أو قصيدة شعرية من أي نوع ، ومقارنتها بغيرها من حيث الفكرة والأسلوب والشكل والنواحي الفنية الأخرى ، وقد يستعان على ذلك بما كتب حول هذه الألوان الأدبية من مقالات أو أبحاث أو مؤلفات أو دراسات .. إلى غير ذلك من مرجعيات تثري رؤيتنا وتفيد مقارنتنا في هذا المجال . ويمكن أن تتطرق المقارنة إلى قراءة السير الذاتية لمؤلفي هذه الأعمال الأدبية التي نحن بصددها ، فندرس حياتهم من جوانبها المتعددة ، ونجري المقارنات بينهم من ناحية الشهرة وعدمها . وقد ندخل من هذا إلى العصور أو الفترات الزمنية التي عاشوا فيها ، ونحلل أسرار نبوغهم وتفوقهم في إبداعهم الفني الأدبي ، والعوامل التي أثرت فيهم ، كل ذلك يتم في ظل ما يعرف بالتاريخ الأدبي الذي يرد الأثر الأدبي ومؤلفه إلى الزمان والمكان . وقد تدرس مؤلفات هؤلاء المبدعين دراسة تثبت ما ينسب إليهم منها وما لا ينسب , ويوضح سبب تأليفها وأصولها ومصادرها ، والمراحل التي مرت بها إلى أن وصلت بين أيدي القراء . كما أنه من الممكن دراسة أسلوب كل منها ومضمونها ، وعملية التأثير والتأثر فيها ، وبذلك نضع العمل الأدبي في مكانه الصحيح بين أنواع أو أجناس الأدب ، أو بين صور الفن الأدبي بوجه عام . ويتضح للباحث أو الدارس من هذا كله التأثيرات التي خضع لها المبدع في عمله ، أو التي أحدثها ويحدثها في غيره من المبدعين ، بالإضافة إلى المصادر التي اعتمد عليها والموضوعات أو الأفكار أو الأشكال الفنية التي قد يكون اقتبسها من غيره بشكل أو أخر . نقول : إن التقليد إذا انحصر في نطاق أمة واحدة ولغة واحدة ، لن يكون وافر الخصوبة ، وإنما تبرز قوة الأدب عندما يتصل بالآداب الأخرى وينفتح عليها ، يأخذ منها ويعطيها ، يؤثر فيها ويتأثر بها ، ولا ضرر ولا ضرار في ذلك ، فالأدب الإنساني كائن حي يفعل ويتفاعل ، وأي نوع من أنواع الأدب ينعزل أو يتقوقع أو ينكفئ على نفسه بعيداً عن التواصل ، يكون مصيره التجاهل والنسيان ، بل الفناء والتلاشي .
فإن درسنا التأثيرات داخل الأدب العربي أو الأدب الفرنسي مثلاً ، فهي تأثيرات داخلية ، وكأننا ندور في دائرة واحدة ، أو بمعنى آخر نتجول في بيتنا الذي نحفظ معالمه عن ظهر قلب .
أما إذا كان التأثر والمحاكاة للآداب القديمة اليونانية أو اللاتينية أو العبرية مثلاً ، كان من الممكن لنا قراءة هذا التأثر في اللغات القديمة عن طريق الترجمة. أما اتصال المبدعين بمبدعين محدثين أو معاصرين من أمم أجنبية فإن ذلك يحتاج من مؤرخ الأدب إلى معرفة عدة لغات أجنبية ، وكذلك الإلمام بعدة آداب ، وهكذا تمتد مهمة مؤرخ الأدب أو المقارني إلى غير نهاية [فان تيجم ، ص 6 ـ 15 ، بتصرف] .

