نعيمة عاكف
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
عاشت حياة قصيرة.. وسنواتها في الدنيا معدودة لاتتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها، ورغم ذلك ملأت هوليود الشرق بشتي أنواع الفنون من الرقص والغناء والمونولوج والتمثيل.. أسعدت الملايين وكان حظها في هذا العالم قليلا، تزوجت مرتين ورزقت بطفل وحيد وهاجمها وحش المرض اللعين وكتب نهاية حزينة لهذه الفتاة التي كانت مفعمة بحب الحياة والسيرك والفن.. حياة قصيرة في عمر الزمن.. لكنها طويلة خالدة في سجل العطاء للفن والابداع.
ولدت نعيمة عاكف في 7 أكتوبر عام 1922 في مدينة طنطا حيث كان سيرك والدها، يقدم عروضه خلال ليالي الاحتفال بمولد السيد البدوي وخرجت نعيمة إلي النور لتجد نفسها بين الوحوش والحيوانات والألعاب البهلوانية، مثل أبيها وأمها وسائر أفراد أسرتها، ولما بلغت سن العاشرة تزوج والدها من أخري غير والدتها التي اضطرت إلي ترك السيرك مع أولادها لتستقر في شقة متواضعة بشارع محمد علي ثم انتقلت نعيمة إلي ملهي 'الكيت كات' الذي كان يرتاده معظم مخرجي السينما.. فالتقطها المخرج أحمد كامل مرسي وقدمها كراقصة في فيلم 'ست البيت' ومنه اختارها المخرج حسين فوزي لتشارك في بطولة فيلمه 'العيش والملح' وبعده تعاقد معها علي احتكار وجودها في الأفلام التي يخرجها لحساب نحاس فيلم وقامت بأول بطولة سينمائية لها في 'لهاليبو' ورغم فارق السن الكبيرة بينهما إلا أن المخرج حسين فوزي تزوجها ونقلها من شارع محمد علي إلي فيلا بمصر الجديدة وتوالت أفلامها ولمع نجمها في السينما من خلال أفلام 'بلدي وخفة' 'بابا عريس'، 'فتاة السيرك'، 'جنة ونار'، 'تمر حنة'، 'ياحلاوة الحب'، وبعد عشرة أعوام من الزواج انفصلت نعيمة عن زوجها في هدوء شديد بعد أن أخرج لها 15 فيلما آخرها فيلم 'أحبك ياحسن' ثم تزوجت من المحاسب صلاح عبد المنعم وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح عبدالمنعم وحصلت نعيمة عاكف علي لقب أحسن راقصة في العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان.
وفي ابريل من عام 1966 رحلت نعيمة عاكف بعد رحلة مع مرض السرطان وأنهت مشوار سبعة عشر عاما من الفن والتألق والابداع وهي في عمر الزهور حيث كان عمرها وقت رحيلها 35 عاما فقط. تحكي قصتها من البداية.. وهي سليلة أسرة كلها بهلوانات.. فقد كان والدها صاحب سيرك ووالدتها كانت أمهر بهلوانة في هذا السيرك كما أن شقيقاتها الثلاث سبقنها للعمل في نفس المجال..
فهرست |
[تحرير] ميراث الفن
عندما بلغت الرابعة من عمرها أراد والدها أن يعلمها الفن الذي يتوارثه أفراد الأسرة، لكنها لم تظهر استعدادا أو تبذل أي نشاط فلجأ إلي حيلة جعلتها تتعلم المباديء الأولي في بضعة أيام، فبدلا من أن يقوم بتعليمها، قام بتعليم شقيقتها الكبري حركات جديدة أمامها وراح يشجع شقيقتها، وفي نفس الوقت يعيرها بأنها ضعيفة ولاتصلح للعمل مثل شقيقتها فامتلأت نفسها بالغيرة، وتعلمت مباديء الاكروبات في بضعة أيام، وبعد عدة أسابيع تفوقت علي شقيقتها وأصبحت نجمة الفرقة الأولي، مع أنها لم تكن قد اتمت العام الرابع من عمرها، وكانت هي في هذه المرحلة من العمر تتشقلب وتغني وتستحوذ علي اعجاب جمهور الفلاحين الذين كانوا يشاهدونها، مما شجعها عندما بلغت السادسة أن تطلب من والدها أن يخصص لها مرتبا، وإلا فإنها ستبحث عن سيرك آخر تعمل فيه، وكان رد الوالد علقة ساخنة وفي اليوم التالي جمعت ملابسها وانطلقت في الشوارع علي غير هدي وقابلها بعض زبائن السيرك، وعرفوا أنها هاربة من أسرتها، فحملوها علي أكتافهم واعادوها.. وإزاء تهديدها بالهرب مرة أخري قرر والدها أن يخصص لها مرتبا يوميا قدره قرشان اذا كان السيرك يعمل، وقرش واحد في حالة البطالة والإجازات الطويلة..
[تحرير] هدايا المعجبين
وكثيرا ما كانت نعيمة تحصل علي هدايا من المتفرجين من قبيل الاعجاب اضافة إلي الهدايا التي كانت تحصل عليها من والدتها وكان معظم هذه الهدايا 'عرايس صغيرة' تتناسب مع مرحلة العمر التي تمر بها ونتج عن ذلك حبها للعرائس.. فكانت كلما جمعت مبلغا من المال تشتري به عروسة.. وعندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها كان سيرك والدها يقدم عروضه في طنطا خلال موسم الاحتفال بمولد السيد البدوي ولاحظت نعيمة أن رجلا ريفيا ميسور الحال يبدو أنه من الأعيان تحيط به شلة من أتباعه، يحرص علي حضور عروضها كل ليلة، وكان يبالغ في التصفيق لها، ولم يكن إعجابه يتجاوز هذا الحد خصوصا أنه لم يكن مسموحا لأي رجل الاتصال بالعناصر النسائية في السيرك.. وذات ليلة فوجئت نعيمة بسيدة ريفية تطلب مقابلتها وتقدم لها علبة أنيقة وقالت لها: 'سيدي البيه باعت لك الهدية دي' فلم تستطع نعيمة أن ترفض الهدية، وكم كانت فرحتها عندما فتحت العلبة ووجدت بها عروسة ذات خمسة مفاتيح وكل مفتاح له رقصة تختلف عن رقصة المفتاح الآخر، وكلما أدارت مفتاحا عزفت موسيقي شرقية جميلة، ورقصت عليها العروسة رقصة بديعة
[تحرير] سنية شيكابوم
وسمعت نعيمة من الناس وقتها أن أحسن راقصة في مصر كلها هي 'سنية شيكابوم' فأطلقت علي عروستها 'شيكا بوم' وكانت عندما تنفرد بعروستها تقلد رقصتها.. وبذلك تعلمت الرقص.. وفي احدي خلواتها بعروستها فاجأها والدها وهي ترقص وشيكابوم أمامها تعزف الموسيقي وتتمايل مع الأنغام فأخرج مسدسه وأطلق النار علي العروسة فحطمها. ومرت الأيام ونعيمة تنتقل مع السيرك من بلد إلي آخر وذات يوم أحاط رجال البوليس بأفراد أسرتها من كل جانب وظهر أن الأب المقامر خسر كل ما معه ورهن السيرك بما فيه من معدات وأدوات.. واستقبلت القاهرة الأم وبناتها الأربع.. وكن يسرن في الشوارع يتشقلبن في أكروبات رائعة ليكسبن بعض الملاليم.. خلال هذه الفترة كانت نعيمة هي المنقذ الذي أبعد شبح الجوع عن الأسرة، فقد كانت الأنظار تتابع حركاتها البهلوانية وهي تشفق علي أنوثتها الصارخة أن تظل في الطريق.. وتقدمت نعيمة للعمل مع والدتها وأخواتها في الصالات ورحبت بهن الصالات، وفتحت لهن ذراعيها بشرط استغلال أنوثتهن لكن الأم رفضت وفضلت الجوع.
[تحرير] حكاية نعيمة مع الكسار
كان علي الكسار قد سمع عن بهلوانات الشوارع فاتفق مع نعيمة مقابل اثني عشر جنيها في الشهر لتعمل هي وشقيقاتها في فرقته.. وظهرت نعيمة في مسرح الكسار، فبهرت الأنظار وهذا ما جعل بديعة مصابني تعرض عليهن العمل في فرقتها مقابل خمسة عشر جنيها.. وكان ضمن فرقة بديعة فتاة تدعي 'تيشي' تلقي مونولوجات علي حركات رقص الكلاكيت، وكانت بديعة تشيد دائما بموهبتها فأحست نعيمة بالغيرة منها، وقررت أن تتعلم رقصة الكلاكيت وإلقاء المونولوجات وذهبت إلي مدرب للرقص ليعلمها فطلب أجرا كبيرا عن كل حصة، ولم تكن مواردها تسمح بدفع هذا الأجر فقررت أن تعلم نفسها بنفسها وفي أحد الايام انتهزت فرصة غياب 'تيشي' ودخلت حجرتها وسرقت الحذاء الذي كانت ترقص به. ودهشت من قطع الحديد الموجودة في هذا الحذاء.. ووضعته في قدميها وبدأت في تقليد الرقصة، وبعد ساعتين من التدريب المتواصل تعلمتها، وأخذت الحذاء معها، وذهبت إلي عامل أحذية وطلبت منه أن يضع في حذائها قطع حديد مشابهة وفي اليوم التالي أعادت الحذاء إلي مكانه.. وبدأت التدريب بحذائها وبعد أسبوع ذهبت إلي بديعة مصابني وطلبت منها أن تتيح لها فرصة تقديم رقصة الكلاكيت، وبعد تردد سمحت بديعة لها وهي غير مقتنعة، وعندما أنهت الرقصة صفقت لها بديعة بحرارة مع الجمهور..
[تحرير] الرقص في موسكو
في عام 1953 تزوجت المخرج الشهير حسين فوزي وسكنت في فيلا فاخرة وامتلكت سيارة وأصبح لها رصيد في البنوك.. وشعرت بأنها لم تحصل علي قسط كاف من التعليم، لأن عملها في السيرك كان يمنعها من الاستقرار في كتاب أو مدرسة فاستعانت بمدرسين تلقت منهم دروسا في العربية والانجليزية والفرنسية وبذلك أصبحت تتحدث ثلاث لغات.. وفي عام 1956 اختارها زكي طليمات بطلة لفرقة الفنون الشعبية في العمل الوحيد الذي قدمته هذه الفرقة وكان أوبريت بعنوان 'ياليل ياعين' تأليف يحيي حقي. في شهر سبتمبر من عام 1956 سافرت نعيمة مع البعثة المصرية إلي الصين لتقديم الأوبريت وفي عام 1957 سافرت إلي موسكو لعرض ثلاث لوحات استعراضية كانت الأولي تحمل اسم 'مذبحة القلعة' والثانية 'رقصة أندلسية' والثالثة 'حياة الفجر'. وبسبب انطلاق نعيمة عاكف في مختلف المجالات، اضافة إلي أسفارها العديدة، دبت الغيرة في قلب حسين فوزي مما أدي إلي تعثر حياتهما الزوجية، فوقع الطلاق في عام 1958 وبعد عام كامل من الطلاق تزوجت المحاسب القانوني صلاح عبدالمنعم وكانت قد تعرفت عليه عندما ذهبت إلي مكتبه لاستشارة قانونية بعدها أصبح المسئول عن عقودها وارتباطاتها المالية. وتغيرت حياة نعيمة عاكف بعد زواجها الثاني.. كان الزوج الأول يبيح لها الظهور ببدلة الرقص في الحفلات والملاهي وعلي الشاشة.. أما أول عمل قام به الزوج الثاني فهو اعتقال بدلة الرقص في دولاب ملابسها..
وفي عام 1966 فاضت روحها بعد رحلة مع المرض حيث كانت قد أصيبت بنزيف في المعدة ونقلت إلي المستشفي وظلت به أكثر من شهر ثم تحسنت صحتها فعادت إلي بيتها لكن المرضي عاودها من جديد فتقرر سفرها للعلاج في الخارج علي نفقة الدولة لكن صحتها لم تكن تسمح بعد أن تدهورت حالتها بصورة خطيرة ومفاجئة وماتت نعيمة عاكف وهي علي ذمة زوجها الثاني ولها منه ابن وحيد وهي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها وشاركت في بطولة خمسة وعشرين فيلما من أنجحها 'لهاليبو' و'أربع بنات وضابط'.

