مستخدم:سجود
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
قصة أوديبوس المأساوية تتلخص بالشكل التالي : هي أشهر الأساطير الانسانية و أكثرها ثراءا .. أسطورة ( أوديب OEDIPUS ) لسوفوكليس .. الابن الذي يقتل أباه و يتزوج أمه ! تحكي الأسطورة عن أوديب ( الاسم يعني الرجل ذي الأقدام المتورمة ) الذي يتنبأ أحد العرافين لأبيه ملك الطيبة ( لايوس Laius )بأنه سيلد طفلا و أن هذا الطفل سيقتله حينما يكبر .. فخاف (لايوس ) من النبوءة و قرر قتل الطفل فور ولادته .. و أمر بدق رجلي الطفل بالمسامير و قتله .. لكن الأقدار أبقت الطفل حيا و ذهبت بالطفل إلى غريم أبيه ( بوليباس Polybus ) ملك كورنثيا ! وحينما كبر ( أوديب ) .. أراد أن يعرف حقيقة أصله و ميلاده ، فقرر الذهاب الى ( طيبة ) متحديا نصيحة أحد العرافين .. مستجيبا لاغرائه في الوقت ذاته !
و يذهب ( أوديب ) إلى ( طيبة ) حيث يواجه (لايوس) في الطريق و يقتله .. و في ( طيبة ) يواجه الوحش ( أبو الهول ) الذي كان ينشر الفزع في المملكة حيث يلقى الأحجية على كل من يصادفه من أهل ( طيبة ) و من لا ينجح في الاجابة يقتله .. و يلقى ( أبو الهول ) على ( أوديب ) اللغز الشهير الذي يقول "" من هو الحيوان الذي يمشي على أربعة صباحا ، وعلى اثنين ظهرا ، وعلى ثلاثة مساءا ؟ "" .. و ينجح ( أوديب ) في اجابة اللغز فيخر ( أبو الهول ) صريعا .. و يفوز ( أوديب ) بالجائزة التي أعلن عنها ( كريون CREON ) خليفة ( لايوس) و اخو زوجته لمن يقتل ( أبو الهول ) و هي تولى حكم المملكة .. و الزواج من أرملة الملك ( جوكاست JOCASTA ) !
و يصبح ( أوديب ) ملكا ( لطيبة ) و زوجا لأمه ( جوكاست ) .. التي أنجب منها بعد ذلك أربعة أبناء !
و تمر الأيام و السنين .. و تسوء الأحوال في مملكة ( طيبة ) ، فيبعث ( أوديب ) إلى العراف ب(كريون) ليعرف أصل البلاء .. فيخبره العراف بأن الله قد أسقط اللعنة على ( طيبة ) لوجود جريمة لم يعاقب مرتكبها و هي جريمة قتل ( لايوس ) .. فيسأل ( أوديب ) الحكيم ( تريزياسTeiresias ) عن الحقيقة فيخبره بانه هو من قتل ( لايوس ) و أنه ارتكب كذلك جرائم أكثر بشاعة ، فيشك في البداية أن ( كريون ) و الحكيم أو النبي الصالح ( تريزياس ) قد اصطلحا على تلفيق تلك القصة لتجريده من الحكم .. فيسأل ( جوكاست ) التي لم ترو غليله باليقين الأكيد .. فتخبره بأن (لايوس) مات على يد عصابة من اللصوص و أن ابنها قد تم قتله صغيرا .. فيشك ( أوديب ) في قصة ( جوكاست ) لأنه قتل (لايوس ) في نفس المكان الذي تذكره ( جوكاست ) .. و بينما ينتظرون الشاهد الوحيد الذي رأى مقتل ( لايوس ) .. يأتي رسول من ( كورنثيا ) يخبر ( أوديب ) بأن أباه ( بوليبس ) قد مات و أنه - أي أوديب - قد صار ملكا على ( كورينثيا ) أيضا ! و يرفض ( أوديب ) الذهاب الى ( كورينثيا ) طالما بقت أمه حية هناك .. فيخبره الرسول بأن ملكة ( كورنثيا ) ليست أمه .. كذلك الملك (بوليبس ) لم يكن أباه ! و بعد ذلك يأتي الراعي العجوز الذي شهد مقتل ( لايوس ) .. و كان هذا الراعي بالمصادفة هو الذي سلم ( أوديب ) طفلا الى ملك ( كورنثيا ) .. فتنكشف الحقيقة بجلاء أمام ( أوديب ) ! وحينما يعرفها .. يفقأ عينيه ثم يرحل مع ابنته ( التي أنجبها من أمه جوكاست ) !!
الأسطورة شكلت مادة ثرية جدا للأدباء عبر التاريخ ! ليس فحسب في خطها الميلو درامي حيث يقتل الابن أباه و يجامع أمه ! لكن كذلك في رغبة ( أوديب ) الجامحة في تقصي الحقيقة على الرغم من بشاعتها اللائحة و تحمله لجميع الخطايا على الرغم من براءة مقاصده دوما ! و انتشرت أسطورة ( أوديب ) في العديد من الأعمال الأدبية باختلاف انماط الأدب و أجناسه .. تارة كمادة مباشرة للعمل الأدبي و تارة تظهر العقدة النفسية في تضاعيف الروايات و المسرحيات !
كذلك استخدمها عالم النفس الأشهر ( فرويد ) في نظرياته .. حيث أطلق مسمى ( عقدة أوديب ) على أحاسيس الابن الجنسية تجاه أمه .. فزعم بأن الطفل و هو بين الثالثة و الخامسة من عمره يصل الى ذروة تعلقه الجنسي بأمه و يشعر بشئ من الغيرة و الكراهية لوالده .. و تساوي تلك العقدة .. عقدة ( اليكترا ) عند الفتيات المأخوذة من أسطورة ( أوريست ) لاسخيلوس !
واذا كان أكثر ما يستقطع الأنتباه في تفاصيل الأسطورة ارتكاب ( أوديب ) لأقسى جريمتين بقتل ابيه و مضاجعة أمه .. فالأسطورة كذلك تقدم عدة أطروحات اكثر شقاءا .. الاولى عن مدى براءة الفعل اذا كان العقل بريئا ! ف( أوديب ) حينما قتل أبيه كان يدافع عن حياته .. وتزوج أمه عن جهل بحقيقة صلته بها ! هل تسري هنا قاعدة ( لا يوجد ذنب الا بوجود العقل المذنب ! ) ؟
الثانية عن استعداد الانسان لتحمل تبعات أفعاله و مسئولية جرائمه حتى تلك التي لم يقصدها و لم يفعلها بنية مدانة مهما كانت أنماط تلك التبعات سواء مادية أو معنوية ! ف(أوديب ) حينما شعر بفداحة جريمتيه .. فقأ عينيه !! (( جوكاست كذلك انتحرت في الاسطورة حينما أدركت أنها أنجبت من ابنها !! ))
الثالثة عن جاذبية الحقيقة للانسان .. مهما بدت محاطة بالكثير بمخاطر هدم حياة الانسان و قلبها رأسها على عقب و ازاحة كل المسلمات التي أقام دنياه عليها !
في رأيي .. ( أوديب ) هنا ليس مدانا قطعا ، كما أنه كذلك ليس ضحية الأقدار و رغبة البشر في الهزء بها .. ( أوديب ) ضحية لشغفه بالمعرفة و رغبته في ادراك الحقيقة حتى على الرغم من شعوره بأنه غير قادر على مواجهتها أو احتمالها !!
لكن السؤال هنا .. أيهما أقسى .. أن يستكشف ( أوديب ) الحقيقة ثم ينهزم أمامها ، أم يغض بصره و ليحتمل عذابات ظنونه و عبث هواجسه ! دفع ( أوديب ) عينيه و مجده الشخصي و احساسه بذاته ثمنا لسعيه وراء الحقيقة .. فهل كانت ستصفو له كل النعم التي ضحى بها لو قرر مبكرا التخلص من ( ترزياس ) و الحاحه !
أما السؤال المتبقي .. ماذا فعل ( أوديب ) ليلقى هذا المصير ؟ ( أوديب ) منذ بداية الأسطورة لم يفعل شئ أكثر من محاولة الدفاع عن شرفه أمام الشاب الكورينثي الذي تعدى عليه بالقول و اتهمه في شرفه و اصله .. فرحل الى ( طيبة ) ليعرف الحقيقة ! لم يفعل شئ أكثر من محاولة الدفاع عن حياته حينما هاجمه ( لايوس ) في طريقه ل(طيبة ) ! لم يفعل شئ أكثر من محاولة رفع البلاء عن أهل و مملكة ( طيبة ) حينما حلت اللعنة ! فماهو الخطأ الحقيقي ل(أوديب) ليلقى هذا المصير و تدنس حياته بتلك الطريقة ؟ ( أوديب ) دائما كان مجبرا على ارتكاب الأخطاء .. كان دائما ينحدر في الاثم و كأنه ملقى في الهواء من شاهق بلا أدنى قدرة على التوقف أو التمسك بأي شئ ! فلم تتهدم حياته في النهاية و هو لم يسطر فيها سطرا وحيدا عن نية مسيئة ؟
السؤال يبدو هازلا في عالم كان منذ الأزل يفتقر لميزان متساوي الكفتين .. وهزله أقسى ما في الأمر !!

