مملكة ماري

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

أطلال مدينة ماري
أطلال مدينة ماري

بنيت مدينة ماري على بعد 2 كم من نهر الفرات نحو عام 2900 ق.م وفق مخطط عمراني متطور ودقيق، فيه منشآت مائية وملاحية كمرافق للمدينة الجديدة. وهذ بذلك لم تكن قرية تحول وتمددت حتى صارت مدينة، بل هي وفق الشرح السابق الذي يمدنا به علماء الآثار بنت لتكون مدينة خطط لها قبل البدء وتم تنفيذ ما كان قد تم التخطيط له.

ويعتقد الباحثون أن إنشاء ماري كان عن طريق سلطة ما سياسية أو اجتماعية كان لها موقع دعم على نهر الفرات هجر بعد بناءها أو دمر لسبب ما، أو ربما كان سبب بناء ها هو دمار الأولى وعلى ما يبدو فقد كان الهدف من وراء بناء بناء المدينة هو مراقبة الطريق التجاري الذي يتبع مسلك الفرات. وربما كانت مدينة تقع قرب أو على تل الرمادي قد أشرفت على البناء.


ويعتقد أن الخارطة الجغرافية المتغير للمنطقة آنذات حفزت نشوء كثير من المدن الجديدة، من جانب بلاد الرافدين ومن ناحية بلاد الشام ، فكانت ماري ضرورة كواصلة بين الطرفين فهي تتوسط المسافة بينهما، مخطط المدينة الاصلي كان على شكل دائرة قطرها 19 كم، مدت نحوها قناة مائية من النهر تؤمن الماء وتسهل وصول السفن. وكانت محاطة بسور من كافة جهاتها عدا جهة النهر.

وكان المخطط الأصلي للمدينة على شكل دائرة كاملة تخترقها قناة متفرعة عن الفرات تؤمن جر المياه إلى المدينة وتسهل وصول السفن إلى المرفأ .

حيث نلاحظ أنه تم بناء السور ، ثم شيدت الأبنية داخله ، وكان التوسع العمراني يتجه من المركز إلى السور . مع ملاحظة أن السور يحيط بكافة جهات المدينة عدا الجهة التي على الفرات . ويزيد قطر المدينة على 19 كم .


وكان د. بشار خليف (باحث سوري) قد كشف للمرة الأولى عن وثائق مملكة ماري الواقعة على الفرات بعد 74 عاماً من العثور عليها وترجمتها ودراستها من قبل الجامعات الأوروبية. وللمرة الأولى يطلع الجمهور السوري والعربي على تفاصيل حياة هذه المملكة التي أنشئت في منطقة الفرات الأوسط (شرق سوريا) في الألف الثالث قبل الميلاد.


وتحدث صاحب كتاب مملكة ماري د. بشار خليف في محاضرة له في دمشق عن المعطيات العامة التي أدت إلى نشوء أو إنشاء مملكة ماري على الفرات الأوسط، وركّز على أن مدينة ماري عُمّرت وأُنشئت وفق مخطط مسبق وذلك نحو 2900 قبل الميلاد.


واستغرب المحاضر ألا يتم الاهتمام بهذه المملكة التي اكتشفت في العام 1933 ميلادي، بحيث لا نجد مرجعاً يتحدث عنها رغم مرور عشرات السنين، ولاسيما المؤلفات التي تنطق بالعربية وبعقل سوري أو عربي. ومن الوثائق اللافتة لمملكة ماري رسالة من حاكم المدينة إلى ابنه يستخدم فيها مثلاً شعبياً عربياً لا يزال دارجاً حتى اليوم وهو كما ورد في الوثيقة التي تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام «الكلبة من عَجَلَتها ولدت جراءً عمياناً».


وتحدث د. خليف عن بيوت ماري المصنوعة من اللبن والتي تشبه البيت الدمشقي، أما عن طبيعة الحياة الاجتماعية الاقتصادية في ماري، فأشار إلى وجود جمعيات ونقابات، فهناك غرفة تجارة ماري واسمها «كاروم» من جذر «كار» ويعني مهنة . كما كان هناك فرق موسيقية.


إلى جانب ذلك، قدمت وثائق ماري معلومات عن وجود جمعيات للفقراء والمساكين كان يُطلق عليها اسم «الموشكينوم» بمعنى المساكين. وفي مجال الحرف الصناعية أظهرت وثائق ماري وجود 11 نوعاً من الزيوت، وهناك مستودعات للثلج. كما أن هناك في ماري 10 أنواع من العطور، ويشير المؤرخ الفرنسي جان بوتيرو إلى أنه في وثائقه تبين له أنه في ورشات ماري كان يصنع نحو600 لتر من العطور شهرياً.


كما دلت الوثائق على وجود 26 نوعاً من الحلي والمجوهرات، و 31 نوعاً من أواني الشرب، و 21 نوعاً من الألبسة الداخلية، كما استخدمت الستائر والبطانيات وأغطية الأسرّة. وعن نهاية مملكة ماري أشار الدكتور خليف إلى أن موت ملك أشور شمشي أدد فسح المجال للفاعلية العمورية في بابل عبر حمورابي من أن تتبلور وتضم إليها آشور ثم بلاد بعل يموت في بلاد الشام ومن ثم القضاء على مملكة ماري في العام 1760 قبل الميلاد بعد نحو 1140 سنة من الحضارة الروحية والمادية.


فصل من الكتاب "مملكة ماري وفق أحدث المكتشفات الأثرية2900 -1760ق.م" للدكتور:بشار خليف


لعل الخوض في تاريخ مملكة ماري على الفرات الأوسط والتي امتدت فعاليتها التاريخية الحضارية لما يزيد على الألف عام / من حوالي 3000-1760ق.م / ، تدفعنا إلى البحث في العوامل والمعايير التي أدت إلى اعتبار الألف الثالث قبل الميلاد ،مفصلا أساسيا في حركة تطور الاجتماع البشري في المشرق العربي آنذاك. ولعل هذا التطور لم يكن ليحصل إلا عبر استناده على مجمل حركة التطور التي شهدها مجتمع المشرق منذ نقطة انعطافه الأساسية التي تكمن في ابتكار الزراعة في الألف التاسع قبل الميلاد. فمن عالم الزراعة ومفرزاته أصبحنا أمام معادلات حضارية جديدة أدت فيما أدته إلى توالد منجزات ساهمت في تفعيل الحياة الإنسانية في كافة أوجهها الاقتصادية _التجارية الاجتماعية _الاعتقادية والحرفية والفنية. وعلى هذا نستطيع فهم مقولة الباحث جاك كوفان من أن المعنى التقليدي لنشوء الزراعة يرتكز في معياره الحاسم على إنتاج المعيشة وأنه بهذا الإنتاج ،إنما بدأ في الواقع صعود المقدرة البشرية التي ليست حداثتنا سوى ثمرة لها الجدير ذكره هنا هو أن ابتكار الزراعة لأول مرة في التاريخ البشري ، تم في المشرق العربي وتحديدا من المنطقة الممتدة من الفرات الأوسط مرورا بحوضة دمشق وحتى وادي الأردن. ولتبيان أهمية هذا المنجز على صعيد الحياة الإنسانية فلا بد أن نحدد الآفاق التي فتحها هذا الابتكار:

فأولا :إن الاستقرار الذي وفرته الحياة الزراعية أدى إلى إحساس المجتمعات القديمة بالسلام والطمأنينة ما أدى إلى ازدياد أعداد أفرادها وتوسع مواقعها إلى مستوطنات زراعية أخذت تكبر باطراد مع الزمن مؤدية إلى منجز نشوء المدن الأولى وهو ما تمّ في المشرق في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد.

ثانيا: إن ما وفرته الحياة الزراعية من منتج ومردود دفع إلى التبادل التجاري النشط وتطور عالم التجارة ما أدى إلي ازدهار المواقع وغناها وهذا يستتبع توسعها وزيادة فاعليتها الاجتماعية والاقتصادية.أدى هذا المنجز وفق مقولة " الحاجة أم الاختراع " إلى استنباط وسائل أولية للعدّ تسهل من التبادل التجاري والسلعي ما اعتبر بداية لعلم الحساب والعدّ . ومن ثم سوف تتوالى المظاهر التطورية لهذا الأمر وصولا إلى بدايات الكتابة، المتجلية في الكتابات التصويرية وذلك في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد. رابعا: لا بد أن يؤدي ابتكار الزراعة إلى تطور تقنيات الصناعات الحرفية والفخارية بما سيساهم في تطور الفنون في مناحيها المجتمعية والفردية . وان تراكم الخبرات التقنية عبر العصور هو الذي أدى إلى الدخول في عالم استثمار المعادن بدءا من النحاس فالبرونز ثم الحديد مرورا بالقصدير والفضة والذهب.

خامسا: إن نشوء الزراعات المروية جعل المجتمعات تنظم وسائل الري وجرّها عبر السواقي أو السدود أو الأقنية ، ما اقتضى انبثاق سلطات مجتمعية تنظم هذه الأعمال وما أدى ذلك إلى نشوء السلطة في المجتمعات القديمة عابرة من السلطة المعبدية إلى السلطة الزمنية التي أكّدت انفصالها عن سلطة المعبد مع نشوء مدن الدول في الألف الثالث قبل الميلاد. يقول الباحث بوهارد برينتس :"إن التطور الذي أدى إلى الثورة العمرانية ونشوء المدن الأولى /في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد / لم يكن ليحصل إلا نتيجة لظهور الزراعة وتطورها وتقسيم العمل في الحرفة والزراعة وظهور التجارة .وان النمو الكبير لمردود العمل / حيث أنه في الزراعة ، ازداد الإنتاج خمسة أضعاف عما كان عليه في مرحلة الصيد / أدى إلى زيادة سريعة في عدد السكان ، ما أدى إلى ظهور المدن الكبرى وبروز أشكال جديدة في حياة المجتمع"

إذن نصل من كل هذا إلى أن ثمة تواصلية في المنجز الحضاري للمشرق العربي القديم، ولعل التوالد الحضاري للمنجز هو الذي أدى إلى سلسلة واحدة من الإبداعات الحضارية.. فالزراعة أدت إلى الاقتصاد الحضاري والزراعة أدت إلى تعميق وتنظيم وانتظام العلاقات الاجتماعية ، وهي التي ساهمت في الازدهار والغنى الذي أدى إلى أوجه النشاط الاقتصادي التجاري ، ما أوصل تلك المستوطنات إلى الاتساع والكثافة السكانية وبالتالي نشوء المدن الأولى . وهو الذي أدى إلى بزوغ عالم الرياضيات في نواتها البسيطة ثم نشوء الكتابات التصويرية وتطورها إلى الكتابات الأبجدية فيما بعد.

ولا بأس من رصد أوجه الحياة في الشرق العربي للفترة الممتدة بين منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، لتحديد المعايير والقواعد الأساسية التي أدت إلى نشوء المدن الأولى في المشرق العربي.

المشرق العربي بين ظهور الزراعة ونشوء المدن الأولى: الألف التاسع ق.م _ 3500ق.م: مع الألف الثامن قبل الميلاد نلاحظ أن الزراعة شملت معظم مواقع المجتمع المشرقي العربي، بالإضافة إلى تطور تدجين الحيوان. وقد لوحظ أن النمط المعماري للمساكن قد أخذ بعدا جديدا عبر التصاق المساكن ببعضهاالبعض، ما يعطي انطباعا بمعالم الاستقرار الدائم،وهذا ما يستتبع تعميق أواصر اللحمة الاجتماعية وترسخ التقاليد المجتمعية بحيث أن عالم الزراعة خلق إيقاعا مجتمعيا تبعا لإيقاع الطبيعة والفصول، وهذا ما انعكس في الذهنية المجتمعية وما تبدى من نشوء الأساطير الشفوية الخصبية وعوالمها الاعتقادية.

ولعل التطور المتبدي في أوجه النشاط الزراعي، والتعاون الاجتماعي المنبثق عنه أدى إلى تطورات في استخدام وسائل الري الصناعي عبر الأقنية والسدود والسواقي، وهذا سوف يؤدي إلى نشوء الزراعات المروية كالكتان مثلا ، وهذا نجده قد تغفّل في حدود 6500ق.م. وفي هذه الفترة أصبحنا أمام تطور معماري صحي ، تجلى في إنشاء أقنية للتصريف داخل المنازل. وهنا لا بد أن نشير إلى موقع بقرص في سورية والعائد إلى /6500-6000ق.م / أبان عن نشوء أول قرية منتظمة بشكل مبكر ، حيث أنشئت وفق مخطط معماري مسبق.

أما في الفترة الممتدة بين 6000-3500ق.م ، فان موقع الكرم في البادية السورية، قدّم دليلا على ممارسة الزراعة المروية عبر جرّ المياه من الينابيع أو الأنهار /الفرات/. ولعل الاستقرار الذي أمنته حياة الزراعة أدى إلى ابتكارات و تقنيات جديدة في كافة المجالات فقد كشف موقع سامراء العائد لحوالي 5300ق.م عن استخدام سكان هذا الموقع للقوالب الخشبية / وذلك للمرة الأولى في التاريخ / لتكييف اللبن في تشييد جدران المنازل . وتنبغي الإشارة إلى أن مواقع المجتمع المشرقي استخدمت المعادن ولا سيما النحاس منذ الألف الخامس قبل الميلاد . ومع حوالي 4500 ق.م سوف نجد مواقع الجنوب الرافدي وتبعا لاشراطات البيئة الطميية والمستنقعية تعمد إلى تكييف الوسط الطبيعي بما يلائم احتياجاتها فقد قام سكان هذه المواقع بمكافحة ملوحة التربة ، وتجفيف المستنقعات ومارسوا الزراعة المروية بإتقان ، ولعل استخدامهم لتقنيات الري الصناعي حتّمت نشوء سلطة مجتمعية وبنى اجتماعية متطورة وهذا ما أدى إلى تأسيس أولي للقاعدة المادية الاجتماعية لنشوء المدن الأولى مع نهاية الألف الرابع فبل الميلاد .

وعلى هذا يقول برنيتيس: إن الفترة الممتدة بين نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وبداية الألف الثالث قبل الميلاد ، تلعب دورا خاصا في تاريخ البشرية ، ففي هذه المرحلة قامت سلطة الدولة التي هي نتاج حركة المجتمع وتطوره.

المشرق العربي في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد 3500 ق . م: مع حلول منتصف الألف الرابع ، أصبحنا أمام محددات عدة أدت فيما أدته إلى نشوء المدن الأولى. فالتطور الاجتماعي _الاقتصادي _التجاري _ الذهني شكّل رافعة حضارية مستمرة منذ نشوء الزراعة حتى هذا العصر. فكان طبيعيا أن نصبح أمام مجتمعات مركبة ذات علاقات حياتية معقدة فرضت وجود سلطات سياسية ولو في طورها الابتدائي بالإضافة إلى بدايات التواجد المؤسساتي للفاعليات التجارية والاقتصادية والحرفية. وكل هذا يندغم بشكل متجانس مع تضخم العمران والتمدن حيث بتنا في مواقع هذه الفترة نعثر على معابد ضخمة . ولعل مواقع الجناح الشرقي للمشرق العربي تؤكد ما ذكرناه آنفا ، فمن موقع مدينة أوروك إلى أريد ومرورا بتبة غورا أما مواقع الجناح الغربي فنجد تل براك في الجزيرة السورية العليا ومواقع مدن حبوبة الكبيرة الجنوبية وعارودة وتل قناص. وتشير الأبحاث الأثرية والتاريخية إلى تشابه النمط المعماري لمعابد تلك المواقع فيما بينها. ويبدو وأن الخط الحضاري للمشرق العربي آنذاك تطور متزامنا بين المواقع الرافدية والمواقع الشامية وهذا ما يوثق في بواكير نشوء الكتابة في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. وبالاتجاه نحو الربع الأخير من هذه الألفية نجد ظهور الأختام الاسطوانية التي ابتكرت نتيجة الحاجة لها في التبادل التجاري والسلعي لكافة أوجه الحياة التجارية الزراعية والحرفية والحيوانية. حيث بتنا في هذه الفترة أمام أختام اسطوانية تخّتم البضائع وتحمل أسماء أصحابها. الجدير ذكره هنا ، هو أن مدينة حبوبة الكبيرة الجنوبية أنشئت على الفرات وفق مخطط مسبق ودقيق. وقد أحيطت بسور طوله 600 متر وعرضه ثلاثة أمتار. إن صفة المخطط المسبق للإنشاء والسور الواقي للمدينة سنجدها مكررة في نشوء مدينة ماري مع مطلع الألف الثالث وكذلك في تل الخويرة وابلا وغيرها. وتشير الدراسات التاريخية إلى أن الواقع الديمغرافي في هذه الفترة كان يشمل السومريين والأكاديين، حيث يلاحظ تواجد أكادي إلى جانب السومريين منذ ذلك الوقت وهذا ما تؤكده معطيات الوثائق والاكتشافات الأثرية الحديثة . / د. سلطان محيسن 1994 / . ويشير الباحث برينتس إلى أن السومريين وحين جاؤوا إلى المشرق العربي / الرافدي / في أواسط الألف الرابع قبل الميلاد ، أكملوا ما كان بدأه العبيديون /4500 _3500 ق.م / وقد دل على ذلك بأن الكتابة واللغة السومرية احتوت على كلمات كثيرة مقتبسة ممن قبلهم ، بالإضافة إلى أن الكثير من أسماء الآلهة السومرية مأخوذة من لغات الشعوب التي سكنت الرافدين قبل السومريين.

كذلك يشير الباحث إلى أن المدن السومرية كلها تقريبا تحمل أسماء غير سومرية وتعود في أصولها إلى الحضارات التي سبقت السومريين / العبيديون / . وباطراد ومع اقترابنا من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد ، فإننا نجد أن مدن المشرق الأولى تمتلك مصالح اقتصادية _ تجارية حتمت نشوء السلطة الزمنية بديلا عن سلطة المعبد بحيث بدأت تنظم فاعليات الحياة المشرقية بما يتلائم مع تطور المجتمع في مواقعه المتعددة . وسرعان ما نجد أنه مع نهاية الألف الرابع قبل الميلاد ، أصبحنا أمام مدن مسورة على مدى المشرق العربي آنذاك وعلى سبيل المثال لا الحصر : ففي الرافدين نجد مدن : كيش ، نيبور ، تل فارا ، أبو صلابيخ . وفي بلاد الشام : تل العشارة _ تل ليلان _ تل براك في سورية . وفي الأردن : باب الضهرة . وفي فلسطين مجيدو و خربة الكرك وتل الفرح . وفي لبنان : جبيل . وفي موقع أوروك الرافدي نلحظ ظهور الموازييك في معبدها كأول ظهور له في المشرق . الجدير ذكره هنا .. هو أن في هذه الفترة كانت الكتابة تخرج من عالم الحساب والعدّ باتجاه نشوء الكتابات التصويرية ومن ثم تحّول الصورة إلي رمز له قيمة صوتية مجردة . بحيث أصبحنا أمام ظهور لكتابات تسجيلية اقتصادية الطابع تحمل فواتير وسجلات لمواد واردة أو صادرة عن المعابد . ومع مطلع الألف الثالث قبل الميلاد سوف نلاحظ أن ماري بدأت إنشاء مدينتها وفق مخطط مسبق وداخل سور على الفرات الأوسط بادئة الخط الحضاري لسورية في عصر الكتابة . يقول جان كلودمارغرون : " لقد سمح نهر الفرات لسورية أن تشرع بعملية التمدن ، ذلك أنه يسّر لها التطور من خلال العلاقات التجارية انطلاقا من المدن السومرية في الألف الرابع قبل الميلاد . وهو دائما وأبدا وللأسباب ذاتها الذي ضمن تطور سورية الداخلية في الألف الثالث قبل الميلاد " .

إنشاء مدينة ماري 2900 ق.م مدن المشرق العربي مع مطلع الألف الثالث قبل الميلاد : مع حوالي 2900 قبل الميلاد سوف نجد أننا أمام ظهور لمدن جديدة، بالإضافة إلى استمرارية لمدن من العصر السابق. فإلى جانب أوروك نجد كيش _ أور _ لجش _ أوما _ شوروباك _ أدب في الجناح الشرقي، أما في الجناح الشامي فسنجد ماري وتل الخويرة بالإضافة إلى وجود مواقع لم تكتمل فاعليتها التاريخية بعد كإبلا واوغاريت وغيرها. ويذكر الدكتور علي أبو عساف أن السلالات الحاكمة في هذه المدن كانت سومرية ما عد مدينتي كيش الرافدية وماري حيث حكمتها سلالات أكادية. أما البروفيسور مارغرون فيؤكد أن ماري حسب الاعتقاد القديم هي عاصمة سومرية ولكن الأبحاث الحديثة تظهر أن ماري تمتلك صفاتا سورية والى جانبها صفات سومرية.

ولعل من أهم خصائص دورة حياة هذا العصر: أولاً : حصول تطور في مجال العمران وتقنياته مما أدى إلى توسع المدن وتلبية النظام العمراني لحاجات السكان المادية والروحية. ثانياً: انفصلت السلطة المعتقدية عن المجتمع =عمرانيا، بحيث أصبحنا أمام معابد مفصولة عن المحيط المديني ففي العصر السابق أبانت مواقع مدن أوروك وحبوبة الكبيرة الجنوبية وعارودة وقناص أن المعابد كانت تقام في أحياء خاصة. مع ملاحظة أنه عثر في ماري في معابد الألف الثالث على معبد مرتبط بالقصر الملكي /قصر معبد/، ما يشي باستقلالية ما عن الخط المعماري الذهني الاعتقادي الذي كان سائدا ثالثاً: في مجال الحياة الفنية أصبحنا في هذا العصر أمام ظهور لاتجاهات فنية جديدة، سواء في الاسلوب أو المعالجات أو مواضيع المجالات الفنية . كل هذا تحقق في الفسيفساء والنقش على الأختام وصناعة الفخار. رابعاً: لعل من أهم ما يميز هذا العصر هو توطد دعائم السلطة الزمنية وانفصال السلطة المعتقدية عنها، ونشوء مؤسسات تعنى بأوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية والحرفية.

يقول الباحث مارك لوبو: إن الإشغال البشري في المشرق العربي في الألف الثالث قبل الميلاد، كان أثره ملموسا في منحيين: الأول في الزراعة والثاني المتولد عن الأول والذي يتجلى في التجمعات المدنية. إن هذين المنحيين يتميزان في الانتشار الواسع والعميق بحيث بتنا أمام بنى اجتماعية واقتصادية لجماعات بشرية كانت مغلوبة ومقهورة والآن هي جماعات قادرة على التحكم جزئيا بالوسط البيئوي المحيط.


الإضافة تمت من قبل مالك الحداد الأبجدية الجديدة www.thenewalphabet.com