مستخدم:رابطة التنمية والحوار

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

التسامح والإسلام

يشير لسان العرب إلى الفعل (سمح) ومشتقاته الى انه يعني الكرم والسخاء والمساهلة فجاء فيه : سمح واسمح إذا جاء واعطى عن كرم وسخاء وتسامحوا :تساهلوا

وأشار احد الباحثين الي بدء التسامح الديني وذكر الملك الهندي السمح (أسوكا) فقال : منذ ثلاثة وعشرين قرنا من الزمان اصطرعت في الهند (البرهمانية والبوذية) وضاق بصراعهما الملك الهندي السمح (أسوكا) فاصدر مرسوما يقضي بان تتساوي حقوق الديانتين وامتيازاتهما في ملكه فكان هذا أول مرسوم بالتسامح الديني في تاريخ البشر.
إن الاضطهاد اذا كان يهدف الي إلغاء فكرة صحيحة يكشف عنها البحث العلمي أو النظر الفلسفي لان مثل هذا الاضطهاد إذا استطاع ان يستأصل إتباع هذه الفكرة في زمان ومكان ما ولكن الفكرة لا تلبث حتي تجد لها أنصارا جددا يستأنفون مسيرتها ويتحقق علي أيديهم النصر . والحقيقة أن كل ما في الإسلام من قيم ومبادئ  ومفاهيم هي من منابع التسامح,

والسؤال أين ذهبت هذه المنابع وتجلياتها بين العراقيين, الذين تطحنهم النزاعات والخلافات , وترتفع في حاضرهم عالياً خطابات , هي الأخطر من نوعها في تاريخ المسلمين الحديث. وكأن منابع التسامح قد جفّت في الإسلام, وكأن الأصل في الإسلام هو التعصب والتطرف . كما يريده البعض القليل لا سامح الله.

الخلاف فى الرأي حول بعض القضايا الاجتهادية أمر محمود يدل على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان ، ومشيئة الله تعالى اقتضت ان يخلق الناس مختلفين في تفكيرهم وإدراكهم للأشياء وفي أذواقهم وفي ألوانهم وألسنتهم، وبالتالي في فهمهم، وهذا الاختلاف وا التنوع يعطيان للحياة مظهر التجدد، لكن الخلاف يكون مدمرا حين تكون أسباب ذاتية الباعث عليه، وهذا النوع من الاختلاف هو الذي يعاني منه المسلمون ويدفعون إثمانا باهظة بسببه لأنه يؤدي الى الفرقة والنزاع في امة شرع الله لها التوحّد ونبذ الفرقة.

ونعود الي التسامح في الإسلام فنقول ان الإسلام يعترف بجميع الحقوق للفرد ولا يجيز اي ممارسة تفضي الي انتهاك هذه الحقوق والخصوصيات والتسامح لا يعني باي حال من الأحوال التنازل عن المعتقد او الخضوع لمبدأ المساومة والتنازل وإنما يعني القبول بالأخر والتعامل معه علي أسس العدالة والمساواة بصرف النظر عن افكاره وقناعاته الاخري . ومن المعروف إن هناك منظومة أخلاقية شرعها الدين الإسلامي من قبيل الرفق والإيثار والعفو والإحسان والمداراة والقول الحسن والألفة وتوطين النفس علي التعامل الحضاري مع الآخرين حتي ولو توفرت أسباب الاختلاف والتمايز معهم ولذلك نجد ان الذكر الحكيم يرشدنا الي حقيقة أساسية وهي : ان حسن الرفق والتعامل الأخلاقي والحضاري مع الآخرين قد يحولهم من موقع العداوة والخصومة الي موقع الولاء والانسجام اذ يقول تبارك وتعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي أحسن ، فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم ) ، (فصلت 34)

وجاء في تفسير قوله تعالى ( وقولوا للناس حسنا) اي للناس كلهم مؤمنهم ومخالفهم اما المؤمنون فيبسط لهم وجهه واما المخالفون فيكلهم بالمداراة لا اجتذابهم الي الإيمان فانه بأيسر من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وعن إخوانه 

ان التسامح كحقيقة اجتماعية لا يمكن ان تتجسد من دون تطوير الثقافة المجتمعية التي تحتضن كل معالم وحقائق هذه القيمة وبالتالي فان المسؤولية الاجتماعية الاولي هي العمل علي تطوير ثقافة الحوار و الحرية والتواصل وحقوق الإنسان ونبذ العنف والإقصاء والمفاصلة الشعورية بين ابناء المجتمع الواحد ولكي يبني التسامح الاجتماعي وتسود علاقات المحبة والألفة والتفاهم , والتفاهم الذي نقصده هنا لايعني تطابق وجهات نظر الجميع حول مختلف القضايا والأمور لان ذلك مستحيل من الناحية الطبيعية والواقعية وإنما نعني وجود الاختلافات التي يمكن إدارتها وحلها بوسائل بعيدة عن ممارسة العنف والتعسف . وعليه فان الاختلاف هو لازمة من لوازم الإنسان وسنة كونية واجتماعية ليس مدعاة للشقاق والنزاع والاحتراب انما هو يؤسس للتعايش والتعاون . ولقد اوجد الدين الإسلامي جملة من المبادئ التي تؤسس لحالة التعايش الاجتماعي والإنساني . ان العنف المستشري في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية لا يمكن مقابلته بالعنف لان هذا يدخل الجميع في أتون العنف ومتواليا ته الخطيرة لكن نقابله بالمزيد من الحوار والإصلاح في أوضاعنا السياسية والاجتماعية.

عمد باحثون إيطاليون إلى تقديم دليل علمي يدعم فكرة جدوى التسامح والغفران، ليس فقط لان ذلك مطلوب من الناحية الأخلاقية مثلما تقول الأديان، وإنما لان التسامح مفيد للصحة. وقد اختبر البروفيسور بيترو بيتريني عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة يبزا في إيطاليا مدى صحة فكرة التسامح الذي يتيح للإنسان التغلب على وضع يمكن أن يصبح مصدرا أساسيا للاكتئاب المؤثر على العقل والأعصاب لولا التسامح. وقد سادت فكرة التسامح والتغاضي عن الإساءة في الاديان السماوية. فالمسيحية تدعو المسيحيين إلى أن يحذوا حذو السيد المسيح الذي نادى بالرحمة وطبقها. واليهودية والإسلام يدعوان إلى التجاوز عن إساءة من سبب للإنسان الألم أو التخلي عن الغضب الذي يصاحب الرغبة في الانتقام

.وهذا لايعني ان الدول الاوربية الديمقراطية المتطورة كانت بعيدة عن النزاعات الدينية حيث ان حركة الإصلاح البروتستانتية شقت وحدة أوربا الدينة وفي بعض البلدان ، قادت الخلافات الدينة الى حروب أهلية مريرة ، غالبا ما استمرت عشرات السنين . ان سيول الدم سالت في العالم في محاولات عقيمة من جانب القوى العلمانية لإطفاء الخلافات الدينية عن طريق خطر الاختلافات في الاراء الدينية وألان نلقي الضوء علي مسالة التسامح الديني بين أوربا ويشير الباحثون الي أن التعصب الديني في الغرب بقي جاثما علي صدور الناس حتي القرن الثامن عشر وان ألمانيا سبقت البلدان الأوربية الي تأييد التسامح الديني وان فردريك الأكبر حين تولي عرش بروسيا في القرن الثامن عشر قد راى ان من حق كل انسان إن يصل الي الجنة بالطريقة التي تروقه. حيث ان في هولندا الصغيرة وحدها وازنت الفرق الدينية بعضها البعض فتبنى المواطنون الصالحون في القرن السابع عشر سياسة عش ودع الآخرين يعيشون ما اتاح ليس للكاثوليك والبروتستانت بل اليهود في العيش في تسامح . فان دين كل انسان يجب ان يترك لقناعة وضمير كل انسان وانه حق كل انسان ان يمارسه كما يمليه عليه ضمير هذا الحق هو في طبيعته حق لا يمكن التصرف به هو حق غير قابل للتصرف .

لقد جسد توماس جفرسون وجهة  النظر يقول فيها لم أبح ابدا بديني ولا حاولت ان اعرف دين الآخرين لم أحاول ابدا تحويل احد عن دينه ولا تمنيت تغير عقيدة احد لم احكم ابدا على دين الآخرين لانه ينبغي قراءة دينا من حياتينا وليس من كلامنا.

فالقرآن، في صفته المستند الفكري الأول للمسلمين، ينص على حرية العقيدة لغير المسلمين وعلى حرية التعبّد وعدم الإكراه في اعتناق الدين، كما يؤكد التزام حرية الآخر واحترامها. يؤكد أهمية التسامح في الإسلام ان الحديث عن حرية اعتناقه وردت في اكثر من مئة آية قرآنية. المرجع الإسلامي الثاني حول التسامح هو الممارسة النبوية المشددة على الإقناع والمسالمة والحرية وإحقاق الحق وبسط العدل بين الناس ونشر المساواة وتحرير الانسان من الجهل والعبودية والظلم، لذلك واجب كل انسان مهما كان دينه واتجاهه ، أن ينشر المحبة و الروح الإنسانية والموعظة بين جميع العراقيين بالحسنى ولكل انسان حسابه أمام الله سبحانه وتعالى . وليس من حق احد ان يضعَ نفسه رقيباً وحسيباً على المسلمين والمسلمات يريدهم أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا ويمرحوا كما يريد هو لا كما يريد أن يفعل الناس أنفسهم في المجتمع ،ولو اعتقد شخص ما ان طريقة عبادته صحيحة ويريد الناس ان يتبعوا طريقته فعليه ان يبرهن ان دينه وطريقة عبادته هي المثلى من خلال صدقه ,عمله,إخلاصه,حبه لعمل الخير,تضحيته من اجل الآخرين وكل الصفات الحميدة كان يتصف بها قدوتنا محمد (ص). وردت في دستور اليونسكو والتي تقول "من المحتم أن يقوم السلم على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر"، وقد قصد المؤلف بذلك التركيز على أن "التسامح" أصبح - اليوم - مسألة جوهرية في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية الراهنة. ومن ثم يؤكد المؤلف على أهمية وضرورة الحوار مع الآخر والتعايش معه والاعتراف به، وأن ذلك يعد الخطوة الأولى للإقرار بمظلة التسامح الديني وتشجيع التنوع في مجال الفكر والممارسة، بعيدا عن الغلو والتطرف والتعصب. فالتسامح دليل قوة الشخصية ومظهر من مظاهر الرشد واكتمال العقل ، وثمرة من ثمار التدين الصحيح. قال تعالى : (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران : 133 و 134 . والإسلام الذي فيه أعظم منابع التسامح يحق لنا أن نقول إن التسامح من خصائص دين الإسلام, وهو أشهر مميزاته, وإنه من النعم التي أنعم بها على أضداده وأعدائه, وأول حجة على رحمة الرسالة الإسلامية المقررة بقوله تعالى ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾. والرفق اذا تجلى في الانسان اقترب من الله وبقدر ما يقترب ، يبتعد عن النار. إن التسامح في نهاية التحليل هو قيمة. وسلم القيم في مجتمع إسلامي كالمجتمع العراقي ينحدر من المرجعية الإسلامية المنظمة لكل تفاصيل الحياة. وكما أن العدل ، والأمانة ، والكرم ، والصدق ، والمروءة ، ... إلخ ، قيم إسلامية أساسية ، فكذلك التسامح. فإحسان الظن بالمسلم وتلمس الأعذار له هو نوع من التسامح في المنظومة الإسلامية . وقد عبر الإمام الشافعي عن ذلك أبلغ تعبير في مقولته المشهورة (رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).

عارف عبد الله رئيس رابطة التنمية والحوار