قصف ملجأ العامرية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

ملجأ أخذ اسمه من الحي الذي يقع فيه بين البيوت السكنية بجوار مسجد ومدرسة ابتدائية. وهذا الملجأ كان مجهزاً للتحصن ضد الضربات الكتلوية، أي الضربات بالأسلحة غير التقليدية، الكيماوية أو الجرثومية؛ ومحكماً ضد الإشعاع الذري والنووي والتلوث الجوي بهذه الإشعاعات. وكان سكان الحي وغيرهم من مناطق بغداد يأتون إليه لأنه يتوفر فيه الماء والكهرباء وكذلك التدفئة والتبريد المركزي، وكذلك لشعورهم بالأمان هناك لأنهم اعتقدوا بأن الملجأ سيكون في منأى عن الخطر.

في الثالث عشر من شباط من عام 1991، وأثناء حرب الخليج الثانية انطلقت طائرتان من نوع (أف – 117) مزودتان بقنابل صنعت خصيصا من نوع (جي بي يو/27)، المخصصة لحرق الأهداف الكونكريتية والموجهة بأشعة الليزر، من قاعدة (خميس مشيط) في السعودية، مع تشكيل من طائرات الحماية والحرب الالكترونية، لتصل إلى ملجأ العامرية رقم 25 في بغداد في الساعة الرابعة والثلث فجرا، وتطلق عليه صاروخين من خلال فتحة التهوية الخاصة بالملجأ، وكان هدف الصاروخ الأول أحداث خرق يولد عصفا، يؤدي إلى إغلاق الأبواب، فيما يقوم الصاروخ الثاني من خلال الخرق، ليحقق النتيجة المطلوبة للعدوان.

كان الملجأ حينها مأهولا بالمدنيين من نساء وشيوخ وأطفال، وأدت العملية إلى استشهاد 407 مواطنا، منهم 138 رجلا، 269 امرأة، من بينهم 54 طفلا رضيعا، 26 مواطنا عربيا.

لقد حامت الطائرات الأمريكية لثلاثة أيام متتالية حول منطقة الملجأ، قبل العملية وبارتفاعات منخفضة، لغرض التصوير والتعرف على مواصفات الملجأ وتحديد كيفية إصابته وإلحاق الأذى به.

وبعد إصابته وصلت درجة الحرارة فيه إلى آلاف من الدرجات وانصهرت الأجساد، حتى أن كثيراً من الجثث في الطابق السفلي قد تفحمت واختلطت بالاسمنت والحديد المنصهر، فتحول هذا الطابق إلى مدفن جماعي، ولم يتمكن أهالي العامرية من التعرف على الجثث، التي تحولت إلى أكوام من لحم محترق وهياكل محطمة.

قامت الحكومة العراقية بعد الحرب بتحويله إلى نصب تذكاري للحادثة مع الاحتفاظ بالطابق السفلي كقبر جماعي لعدم إمكانية فصل الجثث عن هيكل الملجأ.

وقد قام الفنان العراقي نصير شمة بتخليد هذه الذكرى بتأليف عمل موسيقي حيث حاكى بعوده أصوات الأطفال وهم يلعبون، ثم صافرة إنذارٍ بغارة جوية قادمة، ثم أصوات الطائرات والقصف، وصرخات ضحايا ملجأ العامرية.

[تحرير] تبريرات الحكومة الأمريكية

قال حينها ديك شيني وزير الدفاع، نائب الرئيس جورج بوش الأب: "ربما قام الرئيس العراقي بتجميع المدنيين في مخبأ عسكري"

قالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية: "إن الخبراء الصهاينة يعتقدون أن جثث قتلى ملجأ العامرية كانت تعود إلى أشخاص قتلوا سابقا وتم جلبهم إلى الملجأ وتم إحراقهم".

قال بوش الأب: "إن الحديث عن الضحايا المدنيين ليس إلا من باب الدعاية التي يروجها العراقيون".

نشرت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية في عددها الصادر يوم 17/2/1991، أن مصدراً رفيعاً في البنتاغون أبلغها بأن وزارة الدفاع الأمريكية تعترف بارتكابها خطأً بقصف ملجأ مدني في بغداد، وأن المعلومات التي بموجبها تم تشخيص المكان كملجأ عسكري كانت معلومات قديمة.

[تحرير] وجهات النظر الأخرى

يقول أحد الناجين من هذا العمل الوحشي الجبان أن انتشال الجثث من وسط الركام كان مشهداً يبعث على الرعب ويثير الفزع والخوف. وكان جميع أهالي رواد ملجأ العامرية ينتظرون إخراج الجثث ليتعرفوا على أصحابها لكنهم لم يستطيعوا لأن كل الجثث كانت مشوهة ومتفحمة ومقطعة الأوصال وكان من المستحيل التعرف على أكثرهم. والتصقت أجساد الأطفال بأجساد أمهاتهم ولم يكن بالإمكان معها تميز الطفل الرضيع عن أمه.

يقول البروفيسور ماكغواير غبسون: "حرب الخليج هي أحقر حرب خضناها نحن الأمريكان حتى الآن، وإنها خطأ مأساوي سيكلفنا الكثير". ويضيف أيضاً في تصريحه: "والمنطق الذي استخدمته أمريكا سابقاً لتبرير قصفها مدينتي "هيروشيما وناكازاكي" بالقنابل الذرية حينما ادعت أنها قصفت قاعدة مهمة للجيش الياباني استخدمته مجدداً في قصفها الوحشي لملجأ العامرية حيث ادعت في تصريحاتها أنها قصفت مقر قيادة وسيطرة عسكري في بغداد مهم للغاية، لكنها قصفت ملجأً مدنياً كان يتحصن فيه مدنيون لا حول لهم ولا قوة".

مراسل "بي بي سي" شارل الان الذي كان يتجول بحريته حاملاً بيده مصباحاً يدوياً لغرض الرؤية و ينتقل من مكان إلى آخر داخل الملجأ في عرض تلفزيوني قدمته ال بي بي سي 1 يوم 14 شباط، يقول أثناء البث: "أنا الآن أبحث وسط هذه الجثث عن أي شيء يشير إلى وجود معدات عسكرية أو أجهزة اتصالات أو أي شيء له علاقة بالجانب العسكري حسب ادعاء القيادة الأمريكية بأنها استهدفت موقع قيادة وسيطرة عسكري؛ فلم أجد إلا أكوام الجثث المتفحمة والتي التصقت حتى بالجدران الداخلية للملجأ". هذه الشهادة كانت حية وهو أحد الأفلام الوثائقية الكثيرة التي صورت في مكان الحادث بعد وقوعه.

في كتابه "احذروا الإعلام" أفرد "ميشيل كولون" فصلاً مهماً لدراسة أساليب التضليل التي مارستها ماكينة الدعاية الغربية لطمس حقيقة هذه الجريمة البشعة وسعي شبكات التلفزة الأمريكية والغربية عموماً إلى الحد من تأثير هذه المأساة وانعكاساتها في الرأي العام العالمي.

يقول ميشيل كولون: "إن الأمر الذي صدمتنا ملاحظته هو أن المراسلين يتحدثون عنه باسم "الملجأ" في حين تصر هيئة التحرير المركزية على تسمية "المخبأ العسكري". إن اختيار التسمية ليس بريئاً، فالملجأ هو مدني بالضرورة، أما المخبأ فهو عسكري بالضرورة أيضاً، والثاني يوافق الطرح الأمريكي الرسمي".

ويستغرب "كولون" من عدم نشر مجلة "باري مانش" الفرنسية صور ضحايا الملجأ وهي التي عودتنا على نشر الصور الواضحة للحوادث ومحاولات الاغتيال. لكنه يجيب على هذا الاستغراب بالقول: "إن سبب تكتم الصحيفة على نشر صور الملجأ هو أن أولئك القتلى لا يخدمون أغراضها ويناقضون الدعاية المطلوبة". الأدهى من ذلك أن المصادر العسكرية عدت قصف الملجأ، حتى بعد انكشاف الحقيقة، دليلاً على مهارة الطيارين الأمريكان وفعالية قنابلهم الذكية.

يقول الدكتور "هورست فشر" في حديثه عن هذه الجريمة: "إن الهجمات الترويعية على السكان المدنيين، أو قصف المناطق قصفاً شاملاً، التي بطبيعتها لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، محظورة، ولا يلعب المبدأ دوراً هنا. فإذا كان قصف المدنيين متعمداً، فإنه جريمة حرب. يؤكد نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، في مادته الثامنة؛ اعتبار توجيه الهجمات عمداً ضد السكان المدنيين بحد ذاتهم أو ضد الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية؛ جريمة حرب. واستخدام الأسلحة العشوائية، مثل القنابل الانشطارية، في مناطق مأهولة, جريمة حرب أيضاً. فكما صيغ في البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، تحظر الهجمات إذا كانت ستوقع خسارة عرضية في حياة المدنيين أو جرحاً أو ضرراً مفرطاً بالأعيان المدنية مقارنة بميزة الهجوم العسكري المباشرة المحددة المتوقعة. يلقي هذا الحكم التزاماً دائماً على كاهل القادة العسكريين بأن يأخذوا بالاعتبار نتائج الهجوم مقارنة بالميزة المتوقعة. فقائمة الأهداف لا بد أن تجدد دائماً والنزاع يتطور، مع ضرورة الانتباه الخاص لحركة المدنيين الآمنة. ربما كان الهجوم على ملجأ العامرية غير قانوني، لو -وهذا لم يثبت أبداً- لم تتتبع الولايات المتحدة بعناية حركة المدنيين الباحثين عن ملاذ في بغداد".