قرطبة (إسبانيا)
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
قرطبة (بالإسبانية:Córdoba) مدينة وعاصمة مقاطعة تحمل اسمها بمنطقة الأندلس في جنوب إسبانيا وتقع على ضفة نهر الوادي الكبير، على دائرة عرض (38ْ) شمال خط الاستواء يبلغ عدد سكانها حوالي 310,000 نسمة. اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا حيث كانت عاصمة الدولة الأموية هناك . من أهم معالمها مسجد قرطبة.
فهرست |
[تحرير] تاريخ
[تحرير] قرطبة الرومانية
تأسست قرطبة كمستوطنة رومانية على الجانب الشمالي لنهر الوادي الكبير (نهر بيتيس قديماً) في عصر جمهورية روما سنة 206 قبل الميلاد، ثم صارت عاصمة لولاية بيتيكا (جنوب إسبانيا) ضمن الإمبراطورية الرومانية. و قد ظلت قرطبة مدينة رومانية لمدة تزيد عن سبعة قرون، و لذلك ما زالت في قرطبة آثار من الحكم الروماني، أبرزها الجسر الروماني ("بوينتي رومانو") الذي يقطع الوادي الكبير، و أطلال معبد روماني، بالإضافة إلى ضريح روماني مكتشف حديثاً. و ظهر في قرطبة في تلك الفترة الفيلسوف سينيكا.
بعد سقوط الدولة الرومانية على يد الغزوات المتتابعة من قبل القبائل الجرمانية ("البرابرة")، انحدرت على شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا و البرتغال حالياً) بعض هذه القبائل كالوندال و الآلان، و تبعهم القوط الغربيون الذين كان أمر الجزيرة بأكملها، بما فيها قرطبة، قد آل إليهم وقت وصول المسلمين في القرن الثامن الميلادي (الأول الهجري)، بعد صراع مع الروم البيزنطيين.
[تحرير] قرطبة الإسلامية
[تحرير] عصر الولاة
فتح الأمويون قرطبة على يد القائد المغربي طارق بن زياد سنة 711 م، بعد أن عبر بقواته إلى أيبيريا (التي سماها المسلمون ببلاد الأندلس) وقتل ملكها لذريق (رودريك). و قد جعل الأمويون الأندلس ولاية تابعة لولاية المغرب، حتى جعلها عمر بن عبدالعزيز ولاية الأندلس تتبع للعاصمة الأموية في دمشق بشكل مباشر. و جعل الأمويون قرطبة مقراً لولاتهم على الأندلس فظلت كذلك حتى سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين عام 750 م.
[تحرير] العصر الأموي
و لكن لم يعل شأن قرطبة إلا مع قدوم الأمير الأموي عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين، فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية و جعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. و قد كان هذا بداية لعصر قرطبة الذهبي، حيث أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها و أهم مدينة في شبه الجزيرة، و في عهد الداخل بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير الذي لا زال قائماً في المدينة اليوم. و استمر الحكم بيد الأمويين من سلالة عبدالرحمن الداخل في هذه الفترة.
و قد تعرضت الدولة الأموية لعدد من الثورات المتعاقبة و فقد أمراؤها مقاليد الأمور حتى تمكن أحد أحفاد الداخل، عبدالرحمن الثالث الملقّب بالناصر، من إعادة توطيد ملك الأمويين و إخضاع معظم الأندلس لسلطته في قرطبة، و ذلك في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري). و قد بلغت به القوة إلى أن اتخذ لنفسه لقب خليفة المسلمين، مستنداً إلى ما اعتبره حق أسرته القديم في الخلافة السابق لحق بني العباس. و قام الناصر بنقل حكومته إلى مدينة جديدة اختطها على بعد أميال من قرطبة أسماها الزهراء، إلا أن قرطبة ظلت المدينة الرئيسية في البلاد. و وصلت المدينة لأوج مجدها في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (912 - 961) ، وابنه الحكم الثاني (961 -976)، ثم تلاهم الحاجب المنصور بن أبي عامر (981 - 1002)، الذي استولى على مقاليد السلطة في قرطبة و صيّر الخليفة الأموي سجيناً في قصوره في الزهراء و ابتنى له قصراً للحكم في طرف قرطبة أسماه بالمدينة الزاهرة. و قد كانت دولة قرطبة من أهم الدول الأوروبية في القرن العاشر، كما كانت منارة للعلم و الثقافة في اوروبا، و عاصمة من عواصم الأدب و الثقافة العربية و الإسلامية، و أنجبت المدينة في هذه الفترة الشاعر ابن زيدون، و الشاعرة الأموية ولادة بنت المستكفي، و الفقيه ابن حزم، و العالم عباس بن فرناس، كما انتقل إليها الموسيقي زرياب.
[تحرير] عصر ملوك الطوائف و المرابطين
في العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة و البرازين و بطليوس. و تنازع حكام إشبيلية و طليطلة المسلمين على قرطبة حتى استقرت المدينة بيد ملك إشبيلية الطموح المعتمد بن عباد سنة 1078 م، ففقدت قرطبة مكانتها كعاصمة لدولة، و بزغ نجم إشبيلية المجاورة لها بدلاً منها.
وبينما ورثت تلك دويلات الطوائف ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة لمسيحيي الشمال. إلى أن أفتى الفقهاء و أهل الشورى من المغرب و الأندلس ليوسف بن تاشفين، زعيم دولة المرابطين في المغرب بخلعهم و انتزاع الأمر من أيديهم و صارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل : الغزالي و الطرطوشي فاقتحم عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف و انتظمت بلاد الأندلس، بما فيها قرطبة، في مملكة يوسف بن تاشفين، و ذلك عام 1091 م.
[تحرير] عصر الموحدين
وسقطت دولة المرابطين على يد حركة إسلامية أخرى هي حركة الموحدين، فصارت قرطبة و باقي الأندلس الإسلامية بأيديهم في منتصف القرن الثاني عشر. و قام الموحدون بإعادة عاصمة الأندلس إلى قرطبة، فاستعادت شيئاً من مكانتها السابقة. و في هذه الفترة ظهر في قرطبة الفيلسوف المسلم ابن رشد، بالإضافة إلى العالم الديني اليهودي ابن ميمون، أشهر فلاسفة اليهودية في العصور الوسطى.
و لم يصمد الموحدون طويلاً بعد ذلك، فقد انهزموا هزيمة قاصمة في معركة العقاب ("لوس ناباس دي تولوزا" بالإسبانية) عام 1212 م، فتهاوت بعد ذلك معظم المدن الإسلامية في الأندلس في أيدي مملكة قشتالة المسيحية، فسقطت قرطبة عام 1236 م على يد فرناندو الثالث بعد ما يزيد على خمسة قرون من الحكم الإسلامي للمدينة.
[تحرير] قرطبة الإسبانية
و قد فرغت قرطبة سريعاً بعد ذلك من معظم سكانها المسلمين، و سمح الملوك الإٍسبان لمن تبقى منهم بالبقاءعلى الإسلام بعد استيلائهم على المدينة، أسوة بباقي المسلمين في الأندلس، و استخدموا العمال و المهندسين المسلمين في تصميم مباني و قصور و كنائس لهم على الطراز الأندلسي، و سمي المسلمون الباقون تحت حكم الإسبان بالمدجّنين ("مديخار" بالإسبانية)، و لكن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ بدؤوا بعد ذلك بالتضييق عليهم ثم إجبارهم على اعتناق المسيحية من خلال محاكم التفتيش، إلى أن قرّرت إسبانيا طرد المسلمين و أحفادهم ممن اعتنق المسيحية من سائر البلاد، كما تم طرد اليهود منها أيضاً، و ذلك في بداية القرن السابع عشر، و تم توزيع الأراضي و الإقطاعيات على مهاجرين مسيحيين من الشمال أعادوا توطين المدن مثل قرطبة.
و لا يزال الحيّان الإسلامي و اليهودي القديمان معروفين في قرطبة الحالية، كما بقي مسجدها الضخم قائماً في وسطها، إلا أنه تم بناء كنيسة في قلب المسجد في القرن السادس عشر، و يستخدم الجامع الآن ككاتدرائية تتبع الكنيسة الكاثوليكية. و قد جعلت اليونيسكو وسط مدينة قرطبة (أي الحي القديم بما فيه المسجد و الحي اليهودي) موقعاً من مواقع التراث العالمي، بالإضافة إلى مدينة الزهراء المجاورة لقرطبة.
وقد مرت جنوب إسبانيا ("أندلسيا" كما أسماها الإسبان) بفترة من الانحدار الاقتصادي و الثقافي بعد ذلك مقارنة بباقي إسبانيا، و ازدهرت إشبيلية على حساب قرطبة بسبب استخدامها كميناء يربط إسبانيا بالعالم الجديد، إلا أن المنطقة بأسرها باتت تعيش رخاء اقتصادياً في الوقت الحالي بفعل تنشيط السياحة و إنشاء منطقة أندلسيا ذات الحكم الذاتي. و تشكّل قرطبة مقر محافظة قرطبة داخل هذه المنطقة، و سكانها يتجاوزون الثلاثمائة ألف نسمة.
و قرطبة هي المدينة الوحيدة في إسبانيا التي ما زال يحكمها الحزب الشيوعي الإسباني.[بحاجة لمصدر]
[تحرير] مواقع أثرية
[تحرير] أهم معالم قرطبة الرومانية
- الجسر الروماني، الذي يقطع نهر الوادي الكبير، و قد تم ترميمه في العصر الإسلامي، و لا يزال مستخدماً اليوم.
- المعبد الروماني، إلى الشمال من المدينة القديمة.
- الضريح الروماني
[تحرير] أهم معالم قرطبة الإسلامية
- مسجدها الجامع من أجمل ما أبدعه المسلمون في الأندلس، وقد صنفه اليونسكو كموقع تراث عالمي.
- مدينة الزهراء التي أنشأها عبد الرحمن الناصر بإسم زوجته. وقد احترقت تماماً خلال ثورة البربر عام 1020. ويجري حاليا ترميمها، إلا أن مجرّد 10% فقط من إجمالي مساحتها قد تم التنقيب عنه حتى الآن. و تقع في قلبه دار الروضة، وهى قصر "عبد الرحمن الناصر"، وجلب إليه الماء من الجبل.
- الحمامات العربية
- الحي اليهودي بقرطبة، و تسمى في الإسبانية بالخوديريا أي "مكان اليهود"، رغم أن اليهود قد طردوا من قرطبة منذ القرن السابع عشر.
- قلعة "كالاهورا"، و هي قلعة إسلامية تقع على الجانب الآخر (الجنوبي) للوادي الكبير عند نهاية الجسر الروماني، أجرى عليها الملوك الإسبان إضافات فيما بعد، و تحوي الآن متحفاً.
- بقايا أسوار المدينة و بعض بواباتها، خصوصاً في الجانب الغربي.
- الناعورة، و تقع بجوار الجسر الروماني.
[تحرير] آثار أخرى
- قصر قرطبة (Alcazar) و هو قصر ابتناه حكام قرطبة المسيحيون بعد استيلائهم عليها على موقع قصر قرطبة القديم، ومنه تم السماح لكريستوفر كولمبوس عام 1492 بالسفر بحثاً عن طريق جديد إلى الهند.

